تبدأ البطولات وتنتهي البطولات، لكن بطولة واحدة لا تتوقف، إذ ترتفع حدّة منافساتها يوماً بعد آخر. هي تلك الحرب الضروس بين عملاقَي التجهيزات الرياضية «أديداس» و«نايكي» اللذين يبدوان وكأنهما يلعبان في دورٍ خاص بهما، فيسعيان إلى جذب أفضل النجوم وأكبر الأندية وأهم الكوادر إليهما للسيطرة على السوق العالمية.هي معركة مفتوحة نراها في كل بطولةٍ كبيرة وفي كل دور يضم الأندية الأشهر، وحتى في كأس العالم لكرة القدم، ففي النسخة الأخيرة مثلاً أُعلنت «نايكي» بطلةً للمونديال بحكم تواجد علامتها على قمصان 13 منتخباً من أصل 32. وفي كأس العالم 2014 أيضاً، أعلن فوز «أديداس» بامتياز، والسبب أن النهائي جمع بين منتخبين مجهّزين من قبلها هما ألمانيا البطلة والأرجنتين وصيفتها. وبدا واضحاً حتى أن الشركة الألمانية تدخلت مباشرةً في خيارات الاتحاد الدولي للعبة، فاختارت النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي كأفضل لاعب في البطولة لما في هذا الأمر من مكاسب تجارية كبيرة لها، وخصوصاً أن أفضل لاعب في التاريخ بنظر الكثيرين هو الوجه الأبرز لها في السوق.
إذاً هي الحرب العالمية الأبدية بين نايكي وأديداس من أجل كسب إعجاب، وغسل عقول، واختراق جيوب عشاق الرياضة والمستهلكين أينما كانوا في جميع أنحاء العالم.

حربٌ بساحات كثيرة
هذه الحرب تتفرّع إلى حروبٍ في ساحات عدة بفعل اختلاف الألعاب الرياضية. أما من يديرها فهم أصحاب «البيزنس»، رجال المختبرات والتصاميم، المتخصصون في الإعلانات خلف شاشات التلفزيون وعبر الإنترنت، وخبراء إبرام صفقات الرعاية، وأولئك المتخصصين في الحملات التسويقية التي تنطلق في الشوارع والملاعب وكل أرجاء كوكب الأرض.
هي بالفعل معركة مفتوحة لا رحمة فيها يحاول فيها كل طرف السيطرة على أراضي الآخر عبر اختراق أسواقه، وقد فعلتها «نايكي» أخيراً بعدما أغرت الاتحاد الألماني لكرة القدم بالارتباط بها من 2027 وحتى 2034 مقابل 100 مليون يورو في السنة أي ضعف ما تدفعه «أديداس» حالياً لمنتخب بلادها. وهذه الصفقة أثارت ضجةً كبيرة في ألمانيا ووصفها البعض بالخيانة العظمى من قبل الاتحاد لوطنه، بالنظر إلى الإرث الكبير للشركة العملاقة وارتباطها التاريخي بـ«المانشافت» منذ فوزه بأول لقب مونديالي في تاريخه عام 1954.
قيمة «أديداس» و«نايكي» مجتمعتين تبلغ أكثر من 25 مليار دولار


بطبيعة الحال، قد يتفاجأ كثيرون بحجم المبلغ الذي ستدفعه «نايكي» أو ذاك الذي قررت «أديداس» أن تدفعه (750 مليون جنيه استرليني) لقاء الارتباط بنادي مانشستر يونايتد الإنكليزي لمدة 10 سنوات. لكن المفاجأة تسقط عندما تعرف أن قيمة العلامتين التجاريتين الرائدتين مجتمعتين أكثر من 25 مليار دولار. وعلى مرّ السنين، قسّمت الشركتان مناطقها الخاصة، بحيث سيطرت «نايكي» على القارتين الأميركيتين، وتولّت «أديداس» السيطرة على أوروبا وآسيا، لكن رغم ذلك بقي الصدام بينهما موجوداً، وخصوصاً على العشب الأخضر الخاص بملاعب اللعبة الشعبية الأولى في العالم التي يرى المصنّع الألماني أنها ملكه منذ زمنٍ طويل، إذ ما لا يعرفه كثيرون أن مؤسس الشركة أدي داسلر الذي اقتبست العلامة التجارية اسمها منه، كان وراء النهضة المالية لـ«الفيفا» عندما كان صاحب أول عقد رعاية مرتبط بالاتحاد الدولي ولمدةٍ طويلة، لتكرّ سبحة الرعاة بعدها ويعرف هذا الاتحاد ثراءً فاحشاً التقى مع فسادٍ رهيب ضرب أروقته بسبب وفرة الأموال التي دخلت إلى خزائنه، فتوالت الفضائح التي أطاحت برؤوس كبيرة وأشهرها الرئيس السابق السويسري جوزف بلاتر.

حرب العصابات
طبعاً لا تزال «أديداس» هي الراعي الرسمي لكأس العالم بعقدٍ يمتد حتى عام 2030، ما يجذب إليها غنائم أكبر من «نايكي»، فقررت الأخيرة سلوك طريقٍ مختلف في كرة القدم وُصف بحرب العصابات لشدّة العدوانية في الحملات التي انتشرت عبر القنوات الرقمية وغيرها من القنوات البديلة التي مكّنت المصنّع الأميركي من التوجه مباشرةً إلى الجمهور من دون الحاجة إلى المرور بالقنوات الرسمية أي الاتحادات الوطنية والدولية.
وعلى سبيل المثال، قامت شركة «نايكي» قبل سنوات بتطوير تطبيق يساعد لاعبي كرة القدم على الانضمام إلى مباريات شعبية في الأحياء المحيطة بمنازلهم، إذ إن كل ما عليهم فعله هو اختيار المكان والمباراة وانتظار الرد، وهي خطوة لقيت إقبالاً كبيراً تحديداً في أميركا اللاتينية حيث تنتشر كرة القدم في الشوارع بشكلٍ كبير، وزادت من ارتباط محبي اللعبة بالشركة الأميركية، فأظهرت استطلاعات الرأي أن مبيعاتها ازدادت بعدما فضلوها على «أديداس».
وعمدت «نايكي» أيضاً إلى كسر هيمنة منافستها في أوروبا تدريجياً، وذلك لناحية رفعها من قيمة العقود المالية لتجذب أكبر عددٍ من الأندية في البطولات الخمس الكبرى، وذلك في وقتٍ عملت فيها «أديداس» بشكلٍ أكبر على اختراق منافستها في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين، وأيضاً دوري كرة القدم للمحترفين، إن كان لناحية رعاية ابرز الأندية أو النجوم أصحاب الأسماء الكبرى.
وأما اليوم وقبل كأس أوروبا 2024 التي تعتبر أرضاً خصبة للتسويق وتحقيق الأرباح الضخمة، فقد بدأت فعلاً المعركة الكبرى من مختبرات التصاميم والبحوث والتكنولوجيا لتقديم افضل منتج وأكثره جاذبية للمستهلك واللاعب «من البابوج إلى الطربوش».