أسبوع مرّ على انطلاق دورة الألعاب الآسيويّة التي تستضيفها مدينة هانغجو الصينيّة، وتستمر حتى 8 تشرين الأول. أسبوع أبهر فيه البلد المضيف العالم، بفعل التنظيم الرائع والإبداع في كل شيء، كما اكتشفت جماهير الرياضة واحدةً من أجمل المدن إطلاقاً. هانغجو التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، تُعرف بأنها معقل التكنولوجيا في شرق الصين نتيجة احتضانها المقرَّ الرئيسي لموقع «علي بابا» للتسوق الإلكتروني، وهي تمتلك طبيعة أكثر من رائعة، من بينها القناة الكبرى الموضوعة على لائحة التراث العالمي، إضافة إلى دلتا نهر اللؤلؤة والحدائق والمعابد الشهيرة، والتي وُضع بعضها أيضاً على لائحة التراث العالمي.أكثر من 12 ألف رياضيّ ورياضيّة، وحوالى 8 آلاف إداريّ ومدرب يُمضون اليوم أفضل الأوقات في هانغجو، ويتمتعون بدورة الألعاب الآسيوية التي نجحت الصين في تحويلها إلى تظاهرة رياضية - ثقافية - سياحية، تلفت أنظار العالم كله إلى البلد الذي انطلق منه فيروس كورونا قبل 4 سنوات، وبقي مغلقاً لمدة غير قصيرة، كما مورست ضده حملة إعلامية كبيرة لتشويه صورته.
تعافت الصين إذاً، واستضافت الأولمبياد الشتوي عام 2022 من دون جمهور نتيجة الفيروس، ولكن بتنظيم أكثر من رائع، وها هي اليوم تعود وتنهض لتستقبل العالم كما يجب، وتُعيد إلى الأذهان كيف احتضنت أفضل دورة ألعاب أولمبية صيفيّة إطلاقاً عام 2008. واللافت اليوم أن 40 رياضة ضمن دورة الألعاب الآسيوية تخاض مع بعضها بعضاً، فتُقام أحداث لـ61 تخصصاً ضمن 483 حدثاً، ما يدلّ على التنظيم الفائق الدقة، إضافة إلى تنوع المنشآت وجاهزيتها لاستضافة الفعاليات، وهذا أمر غير ممكن في عدد من دول العالم.
نجاح الصين اليوم ليس تنظيمياً فقط، فهي حتى ظهر أمس، حصدت 153 ميدالية ملوّنة، بينها 83 ذهبية و46 فضية و24 برونزية، وخلفها كوريا الجنوبية مع 76 ميدالية، ثم اليابان 68 ميدالية...
لم يُخفِ الإعلام العالميّ دهشته بالتنظيم المميز للدورة الآسيوية وبجمال مدينة هانغجو


نجاحٌ رياضي يعكس مدى تطور هذا البلد على مختلف الصعد، من التكنولوجيا إلى الاقتصاد والتجارة، مروراً بالثقافة والعمران... دون إغفال الدور السياسي على مستوى العالم لـ«التنّين الصيني»، والقلق الدائم للولايات المتحدة من تنامي الدور الصيني. هذا التفوّق يعيد إلى الأذهان القول المنسوب إلى نابوليون بونابارت إنه «عندما تستيقظ الصين سيهتز العالم». وفي هذا الإطار، يتذكر كثيرون ما نقله آلان بيرفيت في كتابه «L’empire Immobile» الذي نُشر عام 1989، وروى فيه كيف عارض نابوليون فكرة فتح الصين أمام التجارة الإنكليزية، وقال: «الدخول في حرب مع إمبراطورية شاسعة تملك موارد عظيمة، ستكون حماقة كبرى. بالطبع، ستنجحون في البداية، وستتغلبون على سفنهم وتقضون على تجارتهم. لكنكم ستسمحون لهم بالتعرف إلى قوتهم».
والأكيد اليوم أن نبوءة نابوليون تحققت، وما كتبه بيرفيت صار واقعاً بعد التفوق الصيني الكبير على مختلف الصعد. ونتيجة هذه النسخة الـ19 من دورة الألعاب الآسيويّة، خرج كثير من الدراسات والتقارير التي تؤكد رغبة عدد كبير جداً من الرياضيين، إضافة إلى عشاق السياحة، بزيارة الصين، للتعرف إلى هانغجو وغيرها من المدن التي تحتضن معالم طبيعية خلابة، وتاريخاً كبيراً وغنياً جداً يعود لقرون بعيدة ومُحافظاً عليه بأفضل الوسائل الممكنة ليكون كنزاً للإنسانية وليس للصين فقط. والأمر الأهم هو دهشة الإعلام العالمي بجمال مدينة هانغجو، وهو ما لم يُخفه المقدمون والمراسلون في تغطية الأحداث. وفي هذا الأمر مفارقة كبيرة، إذ إن الصين أطلقت عام 2013 تحدياً أطلقت عليه اسم مسابقة «ماركو بولو المعاصر» للعثور على مسافر أجنبي للقيام بجولة في هانغجو والترويج لها عبر الإنترنت، مع راتب قدره 40 ألف يورو لتسهيل الإنفاق.

(أ ف ب )

وتم اختيار هذا الاسم نسبة إلى الرحّالة ماركو بولو الذي ولد في البندقية في إيطاليا في القرن الثالث عشر، وكان مفتوناً بمدينة هانغجو، واصفاً إياها بأنها «أجمل وأرقى مدينة في العالم». ولكن الصين اليوم روجت لنفسها بعد هذا النجاح، وهي قبلة مهمة جداً للسياح حول العالم، بفعل نجاح الأولمبياد، واليوم دورة الألعاب الآسيوية.
إذاً هو تفوّق جديد للصين التي تصعد يوماً بعد آخر، وباتت رقماً صعباً في كل شيء، تكنولوجياً واقتصادياً واليوم رياضياً، وتحديداً عبر الألعاب الفردية التي تحقق فيها نتائج مهمة في الألعاب الأولمبية، والمسابقات العالمية. ويبدو لافتاً أن نجاح دورة الألعاب الآسيوية الحالية، فرض تحدياً كبيراً على باريس التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية العام المقبل، والتي باتت مُطالبة بعدم ارتكاب أي خطأ تنظيمي، وعدم تكرار أخطائها في استضافة المباريات القارية كما حصل العام الماضي.