الدوحة | من المتعارف عليه هو أن دولة قطر باتت وجهة رياضية عالمية منذ سنواتٍ عدة بحكم استضافتها أكبر وأهم الأحداث في الرياضات المختلفة، حتى باتت البطولات القارية وكؤوس العالم ضيفةً شبه دائمة على الإمارة الخليجية.آخر الأحداث الكبرى التي حلّت ضيفةً على قطر كان نهائيات كأس آسيا لكرة القدم في كانون الثاني الماضي، حيث حضر لبنان من خلال منتخبه الذي خرج مبكراً لكنه ترك علامةً فارقة بفعل الضجيج الذي أحدثه جمهوره منذ المباراة الافتتاحية وحتى تلك الأخيرة التي خاضها.
ومنذ تلك البطولة، عمّ الهدوء عملياً في الدوحة، لكنّ الضجيج عاد أخيراً، وبطله مجدداً هو اللبنانيون الذين انشغلوا بمباريات مرحلة "الفاينال 8" لبطولة "وصل" لكرة السلة، وبوصول منتخب لبنان لكرة القدم إلى البلاد استعداداً لخوضه مباراتين في التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2026 وكأس آسيا 2027.
لبنانيون من كل الأعمار واكبوا مباريات "وصل" في الدوحة (فادي مرق)

نهائي لكل العرب
بالفعل، بدا اللبنانيون أبطال المشهد الرياضي في العاصمة القطرية هذه الأيام، وملعب "لوسيل" الذي استضاف مباريات الرياضي والحكمة كان شاهداً أساسياً على هذا الكلام. هناك في تلك القاعة الرائعة والضخمة حضر الجمهور بالأصفر والأخضر وصولاً إلى العرض الأخير الذي قدّمه الفريقان في المباراة النهائية الحافلة بالإثارة.
ما حصل في الدوحة كان امتداداً لما بدأ في بيروت، وهو ما أكسب بطولة "وصل" اهتماماً أكبر من موسمها الأول، إذ تخطّت مواجهة الرياضي والحكمة حدود لبنان، لتصبح طبقاً دسماً بالنسبة إلى كل محبي كرة السلة في العالم العربي، لا بل كان بلوغ الفريقين النهائي أمراً إيجابياً بالنسبة إلى كلّ من حضر لمتابعة المباريات بعيداً من مشجّعي الفريقين.
هناك من يشارك الجميع في كل إنجاز ويعزّز المشهد متعةً وفرحاً، وهو الجمهور اللبناني المقيم في قطر


هؤلاء أيضاً كانوا في قلب المشهد البطولي لكرة السلة اللبنانية، إذ لم تنحصر الأمور بالمقيمين في الدوحة الذين لم يفوتوا الفرصة التي استمتع بها الجمهور المحلي في سلسلة المباريات النهائية لبطولة لبنان، فمنذ الخميس الماضي تقاطر عددٌ لا يستهان به من المشجعين اللبنانيين إلى قطر، ولسان حال غالبيتهم يقول: "جئنا لحضور نهائي كبير آخر بين قطبي بيروت".
أمرٌ اذا ما دلّ على شيء فهو على مسألة واحدة، وهي أن ثقة الجمهور اللبناني بقدرات الفرق التي تمثّل كرة السلة خارجياً باتت أكبر من أي وقتٍ مضى، وذلك بعدما ارتقى كلٌّ من الرياضي والحكمة إلى أعلى مستوى أمام التحديات، وخصوصاً تلك التي فرضتها مواجهاتهما المتتالية هذا الموسم، فباتت المحطة الأصعب لكلٍّ منهما هي عندما يواجه الآخر حصراً.

مشجّعون ميدانيون وعائلات حضروا لاستقبال منتخب كرة القدم في مطار حمد الدولي (طلال سلمان)

موعدٌ جديد مع المنتخب
هذا في الشق السلوي. أما في الشق الكروي الخاص باللعبة الشعبية الأخرى، فإن قسماً ممن تابع مباريات ممثّلي لبنان في قاعة "لوسيل" كان حاضراً في استقبال "رجال الأرز" بالورود والتصفيق في مطار حمد الدولي.
مشجعون ميدانيون وعائلات انتظروا المنتخب لوقتٍ طويل للخروج بعد وصوله من أجل إلقاء التحية على أفراده. هذا المنتخب قَدِم أصلاً وهو يراهن على محتضنيه بشكلٍ كبير، إذ بعد المشاركة في نهائيات كأس آسيا، بدا جليّاً أن منتخبنا يملك قاعدة جماهيرية كبيرة في قطر بعكس أي بلدٍ آخر يمكن أن يعتمده أرضاً له في مبارياته الخارجية.
وهذه المسألة تبدو طبيعية لأن اللبنانيين المقيمين (عددهم حوالي 70 ألفاً)، تشرّبوا ثقافة الرياضة في بلادٍ وضعتها ضمن أولوياتها، فباتوا ينتظرون منتخبات وأندية بلادهم للقدوم إلى قطر من أجل تجديد ارتباطهم بالوطن، وهو ما انعكس حضوراً كبيراً في مدرجات الملاعب.
قرّر منتخب لبنان اعتماد الدوحة أرضاً له بفعل القاعدة الجماهيرية التي يملكها في قطر (طلال سلمان)

من هنا، كان لا بدّ أن ينتقل المعسكر اللبناني لاستكمال التصفيات الآسيوية من الشارقة الإماراتية إلى العاصمة القطرية بهدف الاستفادة من عامل الجمهور الذي خسره لبنان بفعل خوضه مبارياته الماضية بعيداً من أرضه، وقد ظهر من خلال مباراته أمام طاجيكستان مطلع السنة الحالية أنه بإمكانه استعادة شعور اللعب بين أبناء الوطن بعدما ملأ اللبنانيون مدرجات ملعب جاسم بن حمد الخاص بنادي السد، والذي سيستضيف لقاءهم الحساس أمام المنتخب الفلسطيني الخميس المقبل.
إذاً الرياضي بطل، ومنتخب كرة القدم يرصد تأهلاً آخر إلى محفلٍ كبير. لكن هناك من يشارك الجميع في كل إنجاز وفي كل محطة مهمة، ويعزّز المشهد متعةً وفرحاً، وهو الجمهور اللبناني المبتعد قسراً عن بلاه الأم، لكنه يبدو مصرّاً على إبقاء الارتباط معها وثيقاً من خلال إطلاقه العنان لحناجره تشجيعاً، رافعاً العلم الذي لا يفارقه أينما حلّ.