أكثر من 75 عاماً هو عمر نادي الحكمة. في البداية كان كل الاهتمام ينصب على نادي كرة القدم، ومع انتخاب أنطوان الشويري رئيساً للنادي في عام 1992، كانت الثورة، وبالتحديد على مستوى كرة السلّة مع تأسيس فريق طموح وقادر على المنافسة. قيل حينها إن الشويري أراد انتشال المسيحيين من الإحباط الذي أصابهم بعد نهاية الحرب اللبنانيّة، وبعد اتفاق الطائف. ربما كان هذا جزءاً من الهدف، ولكن الأكيد أنّ ما حققه الحكمة على صعيد الإنجازات صعبٌ نسيانه. الصورة تغيّرت، الحكمة يعاني منذ سنوات، ولكن اليوم بات على شفير الهاوية، فهل يقع!كل من يتابع كرة السلّة في لبنان يدرك مدى أهميّة نادي الحكمة. في الشارع السلّوي، يُقال إنّه لا كرة سلّة من دون ناديي الرياضي والحكمة. على مدى السنوات شكّل هذان الناديان عصب كرة السلّة اللبنانيّة، وكان معهما الأنصار والنجمة في كرة القدم. في عام 1992 ترأس أنطوان الشويري الحكمة، وفي عام 1996 احتلّ فريق كرة السلّة المركز الثاني في بطولة الأندية العربيّة. توالت الإنجازات، وفي عام 1998 فاز الحكمة في نهائي البطولة العربية على نادي الوداد بوفارك الجزائري، وبعدها بعام تمكّن من الحفاظ على لقبه بفوزه على الأهلي المصري. موسم 1999 ـ 2000 كان الأجمل، ليس للحكمة فقط بل لكل لبنان. لا أحد ممّن عايش تلك الفترة ينسى الحكمة. حكمة غسّان سركيس، فادي الخطيب، إيلي مشنتف وبالطبع محمد آشا وآسان نداي وغيرهم الكثير. في ذلك الموسم تربع الحكمة على عرش آسيا، وحمل اللقب على حساب بطل الصين على ملعبه في غزير، وعاد في عام 2004 وأحرز اللقب مرّة جديدة، ولكن مرحلة الهبوط بدأت في 2005 ـ 2006، وهي لا تزال مستمرّة.
مطرانية بيروت دعمت النادي قبل أيام بمبلغ 50 ألف دولار فقط


ما يعيشه اليوم نادي الحكمة لكرة السلّة لم يمر به منذ عام 1992. النادي تلقى كتاباً من الاتحادين الآسيوي والدولي لكرة السلّة يمهل النادي وقتاً لدفع المستحقات الماليّة المتوجبة عليه للاعبين. وفي هذا الإطار أصدر الاتحاد اللبناني للعبة والتزاماً بقوانين الـ«فيبا» مجموعة مقررات منتصف الأسبوع، تقضي بمنع نادي الحكمة لكرة السلّة من التعاقد مع أي لاعب أجنبي أو محلّي، كما وتمّ إعطاء مهلة لإدارة النادي لحل مشاكله الماليّة وتسديد مستحقات اللاعبين المتوجبة، وإلا سيتم اللجوء إلى الخيار الأخير وهو تحرير الجهاز الفني ولاعبي الفريق من عقودهم، وبالتالي يصبح جميع لاعبي الحكمة أحراراً بالانتقال إلى أي ناد يريدونه (دون إلغاء المستحقات المالية المتوجبة لهم). وبحسب العديد من المصادر فإن المهلة التي أعطيت لنادي الحكمة تنتهي في 28 الشهر الجاري، فيما قالت بعض المصادر إنه يمكن إمهال الإدارة حتى 30 منه. وبالتالي يتوجب على النادي الحصول على براءات ذمّة من اللاعبين المتقدمين بشكوى ضدّه قبل نهاية الشهر. وفي حال لم تقم الإدارة بهذه الخطوات، ولم تدفع مستحقات اللاعبين الماليّة ستتعرّض للمزيد من العقوبات التي قد تصل إلى حرمان النادي من اللعب في الدرجة الأولى، وإسقاطه إلى الدرجة الثانية. يذكر أن العديد من اللاعبين اللبنانيين والأجانب، تقدموا بدعاوى ضد إدارة نادي الحكمة للاتحادين الآسيوي والدولي لكرة السلّة، بسبب عدم تسديد الإدارة لمستحقاتهم الماليّة.
وعلى ضوء هذه التطورات تنقسم الآراء داخل إدارة النادي التي يرأسها سامي برباري بعد استقالة الرئيس السابق مارون غالب قبل أكثر من عام. فتحدثت بعض المصادر المتابعة للتطورات داخل «القلعة الخضراء» عن رغبة بعض الأعضاء بالاستقالة، فيما يصمم آخرون على إكمال ولايتهم والسعي إلى تأمين تمويل للنادي. وكانت المفاوضات بين حزب القوات اللبنانيّة وإدارة الحكمة الحالية قد وصلت إلى باب مسدود قبل أيّام. وتحدّثت مصارد قريبة من النادي عن أن القوات طالبت باستقالة الإدارة الحاليّة، للسير بمشروع دعم النادي، ولكن الإدارة رفضت، وبالتالي لم يتغيّر شيء على مستوى الدعم والرعاية. ومن جانبها مطرانية بيروت التي كانت تدعم النادي على مدى السنوات، اكتفت بإعطاء مبلغ 50 ألف دولار قبل أيّام لإدارة النادي، كجزء من الدعم السنوي التي تقدمه المطرانيّة. ولكن من يعرف ما يمر به نادي الحكمة، يؤكد أن ديون النادي من مستحقات لاعبين ومدربين فقط، فاقت المليون ونصف المليون دولار. والإدارة لا تزال تردد الجملة ذاتها، «العمل لتأمين مداخيل إضافية لدفع مستحقات لاعبي فريق كرة السلة قبل عودة عجلة الدوري للانطلاق، ومستحقات لاعبي فريق كرة القدم».


وفي ظل استمرار النزف، وإمكانية خروج نادي الحكمة من الصورة هذا الموسم وربما لمواسم كثيرة، دخل الجمهور على خط الأزمة، وبدأت أعداد كبيرة من الجماهير تطالب باستقالة الإدارة الحاليّة، لكي يأتي رجل أعمال أو أي جهة تكون قادرة على دعم النادي ماليّاً، وإخراجه من أزمته «الوجوديّة». وفي هذا الإطار قالت هذه الفئة من الجمهور التي أعطت نفسها لقب «المعارضة الحكماويّة» أن الإدارة الحالية دفعت عدداً من الداعمين للخروج من النادي بسبب أسلوب عملها. كما حمّلت الإدارة الحالية مسؤولية «قتل نادي الحكمة، وقتل أحلام وذكريات الجمهور».
خمسة أيّام أو أقل تتبقى لإنقاذ نادي الحكمة، وإلّا فإن تطبيق قرارات الـ«فيبا» سيكون واجباً على الاتحاد اللبناني للعبة، لتجنّب أي عقوبات يمكن أن تطال كرة السلّة اللبنانيّة ككل. نادي الحكمة يعاني أكثر من أي وقت مضى، ورغم ذلك يقف الجميع ليتفرّج على النادي الذي أعطى لبنان كثيراً، خاصة تلك الجهات التي استفادت من الحكمة في أكثر من موسم انتخابي، وهي اليوم تتركه لقدره. يرتبط مشروع دعم الحكمة اليوم بالكثير من رجال الأعمال الذين تتوزّع أعمالهم بين لبنان وأوروبا، ولكن كل شيء مرتبط بالإدارة الحاليّة، ورغبتها بالبقاء أو الاستقالة.
الحكمة يعاني، وصورته اليوم هي صورة عن واقع الرياضة عموماً وكرة السلّة خصوصاً. أكثر من ناد قرر عدم المشاركة في بطولة الموسم الحالي لعدم توفر الميزانيّة، لكن الصرخة لم تُسمع إلّا عندما خرجت من قاعة غزير، لأن الحكمة في كرة السلّة «غير». الرئيس التاريخي للنادي الرياضي هشام جارودي قدّم قبل أشهر دعماً ماليّاً للحكمة، لأنّه هو الآخر يدرك تماماً أن الحكمة ليس مجرّد فريق كرة سلّة، إنّه أكثر من ذلك بكثير، حتى ولو كان التنافس مع نادي الرياضي ـ بيروت كبير. المهلة تضيق، والحكمة بات فعليّاً في العناية المركّزة، بانتظار من ينقذه.