الدقيقة الأولى: العدسة مصوّبة على ليونيل ميسي. «ليو» حاضر فجر الاثنين (بتوقيت بيروت) في ملعب «ماراكانا» التاريخي في مباراة منتخب بلاده الأرجنتين أمام البوسنة، ضمن المجموعة السادسة لمونديال البرازيل. الدقيقة الثالثة: «ليو» يظهر قليلاً في الصورة مجدداً من خلال ركلة حرة نفذها وأثمرت هدفاً سجله سياد كولاسيناتش خطأً في مرمى فريقه.
الدقيقة العاشرة: ميسي يبتعد عن «زوم» الكاميرا. الدقيقة العشرين: أصبحت العدسة بالكاد قادرة على التقاط «ليو». الدقيقة 30: العدسة أضاعت ميسي. الدقيقة 40: ميسي اختفى تماماً في «ماراكانا». الدقيقة 50: ريو دي جانيرو بكاملها تبحث عن ميسي... الدقيقة 65: «المارد» يخرج من قمقمه. ها هو ميسي يعود إلينا. يتسلم الكرة وينطلق بها سريعاً. يلمح غونزالو هيغواين، فيسلمه الكرة. الأخير يفهم الاشارة، ويعيدها اليه بلمسة واحدة. الكرة بين قدمي «البرغوث» الآن، ها هو يزيد من سرعته ويميل يسرة متخطياً الاول والثاني، ومن ثم يرمق الزاوية اليمنى للمرمى البوسني بنظرة «صقر»، ويترك الانقضاض عليها لقدمه اليسرى الذهبية، مطلقاً تسديدة تصيب القائم وتتهادى في الشباك... ميسي بات الآن في المونديال.
إذاً، الدقيقة 65 بالضبط، على ساعة ريو دي جانيرو، تشهد «ولادة» ميسي المونديالية. ميسي الـ2009 والـ2010 والـ2011 والـ2012. ميسي الساحر والعبقري والماكر. ميسي المراوغ والسريع والمزعج. بدا واضحاً أن هذا الهدف الجميل فعل فعله بـ«ليو». فرحته العارمة كانت تشي بذلك، حيث بدت كتنفيس عمّا كان يطبق على صدره. بدا في تلك اللحظة ميسي كطائر خرج لتوّه من قفصه نحو الحرية. مشهد ميسي في المباراة الافتتاحية كان إذاً كالآتي: 65 دقيقة اختفى فيها تماماً، و25 دقيقة استفاق فيها وسجل ومرر وشكل الخطورة، وكاد يسجل ثانيةً في الدقيقة الأخيرة من تسديدة بعد توغل داخل منطقة الجزاء أصابت به كرته الشباك من الخارج.

انتفض ميسي
في الدقيقة 65، فيما غاب أغويرو ودي ماريا

على أي حال، فإن الدقائق الـ25 الأخيرة كانت كفيلة بأن تمحو ما سبقها، وحتى كافة الدقائق التي شارك فيها «ليو» في مونديالي 2006 و2010. وبالتالي يمكن القول إن الانطلاقة كانت موفّقة، ولا شك في أنها ستمنح ميسي مزيداً من الثقة والمعنويات في المباراتين القادمتين أمام إيران ونيجيريا قبل الأدوار الاقصائية، إذ إن ميسي نجح في كسر عامل الرهبة والضغط الذي كان ملقىً على كتفَيه قبل صفارة الانطلاق، حيث يمكن القول إن «البرغوث» بات حاضراً ذهنياً، وهذا الأهم، للحدث العالمي وللحلم الذي يضعه نصب عينيه. ما كان يتخوّف منه الأرجنتينيون تبدّد إذاً، لكن، للمفارقة، فإن القلق بات حيال المنتخب ككل، إذ إن «الألبيسيليستي» لم يكن مقنعاً كمجموعة، وقد عانى مراراً أمام خصمه، ويقيناً لولا الهدف «الهدية» في وقت مبكر، ولولا استفاقة ميسي الذي كان العامل الأبرز في ذلك الفوز لعدم فاعلية سيرجيو أغويرو، وتحديداً لعدم ظهور أنخل دي ماريا الذي بدا كأنه مرهق بعد موسم شاق مع ريال مدريد الاسباني، لكان ربما في النتيجة كلام آخر، إذ بدا الدفاع غير مطمئن، وقد تمكن البوسنيون من اختراقه أكثر من مرة، ونجحوا في التسجيل عبر فيداد ايبيسيفيتش (85)، كما كان التباعد واضحاً بين الخطوط.
ما يمكن الخروج به من المباراة الاولى للأرجنتين أن خطة 4-3-3 في الشوط الثاني كانت أكثر فاعلية من 3-5-2، وتحديداً مع دخول هيغواين الذي بدا متناغماً مع ميسي في لقطة الهدف الثاني، وهذا ما يحتاج إليه الأخير، كما أنه «حرر» «ليو» الذي كان ينتظر الكرات في المقدمة، متيحاً له الارتداد والخروج من الرقابة اللصيقة للدفاع، فضلاً عن أهمية وجود فرناندو غاغو في وسط الميدان لأدواره في الشقين الدفاعي والهجومي.
بطبيعة الحال، فإن ميسي هو الأمل للأرجنتين للوصول الى منصة التتويج، لكن كما يقال فإن «يداً واحدة لا تصفق»، خصوصاً مع وجود خصوم «لا يرحمون» في الادوار الاقصائية، إذ لا بد من أن يكون جميع «راقصي التانغو» حاضرين الى جانب «ليو». لا يكفي أن يكون ميسي وحده بخير.