ما إن انتهت مباراة منتخبي لبنان والإمارات بالتعادل السلبي في بداية الدور الحاسم المؤهل إلى مونديال 2022، حتى ساد جوّ من التفاؤل عند المتابعين الذين رأوا إيجابية في النتيجة بحكم الغيابات والمشكلات الكثيرة التي عصفت بالمنتخب. لكن شخصاً واحداً أفسد الجو الإيجابي العام في خطوةٍ متكررة عرفها الجمهور بشكلٍ مفاجئ وصادم.هذه المرّة أيضاً اتخذ اللاعب باسل جرادي قراره من دون العودة إلى احد ومن دون أن يكترث إلى مصلحة الوطن، فمضى في سبيله مستغنياً عن قميص المنتخب الوطني مرةً جديدة، ومؤكداً بتصرفه المتكرّر أن منتخب لبنان هو مجرد محطة له لتقوية سيرته الذاتية ووضعه الكروي، إذ إن لاعباً يحمل وَسماً دولياً هو غير اللاعبين الذين ينشطون على مستوى الأندية وهم الأكثرية الساحقة بطبيعة الحال.
هذا الكلام لا يمكن أن ينكره أحد، إذ إن الدلائل قاطعة وتشير كلّها إلى أن لبنان لم يكن الخيار الأول عند جرادي، فعند العمل على استرداد جنسيته تهرّب أكثر من مرّة من تلبية الدعوة للالتحاق بالمنتخب حيث كان يأمل بأن يحصل على فرصةٍ للعب مع الدنمارك التي يحمل جنسيتها، وهو أمر بدا مستحيلاً بالنظر إلى الفارق الكبير بين مستواه وبين مستوى اللاعبين الدنماركيين الذين أثبتوا أنفسهم في كأس أوروبا الأخيرة، وهم الذين يدافعون عن ألوان أندية أوروبية بارزة.
الإفادة المنتظرة من جرادي تحوّلت إلى نقطةٍ سلبية


وناهيك عن طباعه الحادّة التي دفعته إلى التهجّم على زميله السابق في المنتخب سمير أياس في أوستراليا سابقاً، ما دفع المدرب المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش إلى إيقاف الحصة التدريبية، تملّص جرادي من الالتحاق بالمنتخب على هامش التصفيات الآسيوية الماضية عندما أرسل صورةً لإصابة في القدم إلى «رادو» مدّعياً بأنها قدمه، لكن تبيّن للأخير في اليوم التالي أن اسمه موجود في تشكيلة فريقه لإحدى المباريات!
رادولوفيتش أعطاه وقتذاك فرصة جديدة، لكن وبعدما أبلغه بأنه سيكون احتياطياً في ثانية مباريات لبنان في كأس آسيا أمام السعودية بهدف الاستفادة من خدماته في المباراة الأهم أمام كوريا الشمالية، كانت رسالته الشهيرة التي أهان فيها رفاقه واصفاً إياهم بأسوأ الأوصاف، ومظهراً وجهاً مغروراً عندما اعتبر نفسه أهم من الجميع.
مرّت هذه المرحلة وعاد جرادي بشكلٍ مستغرب إلى المنتخب بعد رحيل مدرب مونتينيغرو الحالي، وهو الذي حاول أن يطلّ بوجه المنضبط في إحدى المقابلات التلفزيونية متوجّهاً إلى محدثه بأنه لا يستطيع أن يطيل الاستضافة لأنه عليه الخلود إلى النوم باكراً بحُكم القوانين الخاصة بفريقه، وهي القوانين نفسها التي خرقها في البحرين عندما كان مع المنتخب بعودته إلى الفندق فجراً بحالةٍ معروفة...
الواقع أن الكل يتحمّل مسؤولية ما أقدم عليه جرادي مرةً جديدة بحق المنتخب تحت ذريعة أنه عانى ما عاناه في كوريا الجنوبية خلال زيارته السابقة. لكن الواقع أن ما انطبق عليه ينطبق على كل الزائرين، وهو أمر أُبلغ به عند اتصاله بالسفارة الدنماركية في سيول طالباً المساعدة، فكانت الإجابة واضحة باحترام إجراءات البلد الآسيوي.


نعم الكل يتحمّل المسؤولية وشريك هذه المرّة في الخطأ إذا بقي السكوت قائماً، وهو ما اعترف به زملاءٌ صحافيون كثر فور حصول الحادثة لأن التساهل كان واضحاً سابقاً في قضايا جرادي، ربما على اعتبار بأنه حاجة فنية للمنتخب. لكن الحقيقة إذا ما تطرّقنا إلى الجانب الفني سنستنتج أن هذا اللاعب بالتحديد لم يفد المنتخب بشيء مقارنةً بكل اللاعبين المغتربين من جوان العمري إلى الأخوين ملكي إلى هلال الحلوة وعمر شعبان وسوني سعد وغيرهم... من أولئك الذين وضعوا كل ما لديهم على أرض الملعب لتأكيد وفائهم للقميص الأحمر.
الإفادة المنتظرة من جرادي تحوّلت إلى نقطةٍ سلبية، فاللاعب يأخذ مكان لاعبٍ آخر قد يستفيد المنتخب من وجوده، وهو الذي ترك الجهاز الفني يضعه في الحسابات الأساسية ثم فاجأه بقرارٍ ضرب كل الخطط الموضوعة، وترك نقصاً في تشكيلةٍ منقوصة أصلاً بفعل الإصابات المتنوعة.
كما كان بالإمكان لمس السلبية بعد التواصل مع بعض اللاعبين عند وصولهم إلى سيول حيث بدا بعضهم ممن حضنوا جرادي في أكثر من مناسبة أخطأ فيها، ممتعضين مما أقدم عليه، إذ إن بعضهم يعاني من إصابة كان بإمكانهم التذرّع بها لتفادي السفر إلى كوريا الجنوبية، فكان لسان حالهم: «ليتنا نعرف بماذا هو أحسن منا»؟
السؤال لا يجب أن يطرحه اللاعبون بل المتابعون والجمهور ومحوره: ألم يحن وقت الحساب والعقاب واتخاذ الإجراءات المناسبة؟
طبعاً هذا ما يفترض حصوله، إذ إن أسماء كثيرة ومنها وصلت إلى أبعد بكثير مما وصل إليه جرادي على غرار يوسف محمد «دودو»، وقد صدرت قرارات بحقها لأسباب أقل بكثير، فهي أُوقفت رغم أنها لم تخن الوطن ولم تحاول التنكّر لأصولها، ولم تترك لغرورها مجالاً لتغذية أنانيتها على حساب المشاعر الوطنية لأبناء جلدتها الذين ينتظرون الفرحة دائماً من منتخبٍ يشرّف كل من يرتدي قميصه.