هو الانهيار الذي لا يريد أحدٌ الاعتراف به. هي نفس الحكاية التي يعيشها لبنان منذ نحو سنة ونيّف. ربما تجوز المقارنة هنا. هو الوضع الصعب الذي يحتاج الى سنواتٍ لتصحيحه، وقد تأكد هذا الامر بعد الخسارة المريرة امام باريس سان جيرمان الفرنسي.برشلونة في أزمةٍ فعلية، وهي أزمة كان كثيرون يعرفون ضمنياً ان النادي الكاتالوني يعيشها، لكنهم رفضوا الاعتراف بأن الانهيار حاصل أو قادم لا محالة. فعلاً يشبه وضع «البرسا» حالياً الواقع العام الذي مرّ به لبنان ولا يزال، وخصوصاً أن لا أفق لإيجاد الحلول ولا أمل بعلاجٍ للمعضلة في المستقبل القريب.
الهزيمة امام باريس سان جيرمان الذي لطالما عاش عقدة برشلونة، فضحت فعلاً الواقع الحقيقي لفريقٍ لا يملك حالياً اي هوية او اسلوب لعب او أسسٍ يمكن البناء عليها، ولا يشبه بشيء او بتفصيلٍ بسيط ذاك الفريق الذي سيطر على كرة القدم الاسبانية وتالياً الاوروبية طوال سنواتٍ خلت.
أزمة برشلونة متفرّعة المشاكل، تماماً كما هي الحال في لبنان حيث الانهيارات مختلفة الاوجه، لكن نتيجتها واحدة وتختصر بالفشل والمعاناة. الفريق الكاتالوني يعاني اسبوعاً بعد آخر، وخسارته الاوروبية الاخيرة دفعت مدربه الهولندي رونالد كومان الى الاعتراف بأنها اكدت أن النادي يحتاج الى سنواتٍ طويلة من العمل لكي يبني فريقاً للمستقبل يكون قادراً على مقارعة الكبار وبإمكانه الارتقاء الى مستوى التحدي القاري.
هو ربما كان يعلم هذا الامر في قرارة نفسه، إذ إن أي خسارة لا تؤثر فيه حالياً، والدليل ابتسامته العريضة وضحكته خلال مصافحته مدربي ولاعبي بطل فرنسا بعد نهاية المباراة. الرجل يبدو مرتاحاً، لسببٍ بسيط، هو انه عند تسليمه الفريق لمس من الادارة معرفة مسبقة بأن هذه المجموعة لن يكون بمقدورها جلب الكؤوس الى خزائن النادي هذا الموسم، وهو امر تأكد في مشوار الدوري الاسباني وكأس اسبانيا واخيراً دوري ابطال اوروبا.
نعم كومان مرتاح، لكنّ محبّي برشلونة حول العالم ليسوا سعداء ابداً، فمنذ تلك الخسارة التاريخية امام بايرن ميونيخ، بطل المانيا واوروبا (2 – 8) في دوري ابطال اوروبا الموسم الماضي، والفريق يسير في طريقٍ مليء بالخيبات والهزائم، والآتي اعظم بحسب ما يظهره المشهد الحالي.

الإدارة الفاشلة
وهنا يعود مشهد لبنان ليطلّ ايضاً، اذ كما يتحمل القيّمون على البلاد مسؤولية الادارة السيئة التي اوصلت الامور الى ما هي عليه، يمكن وضع اللوم بالدرجة الاولى على ادارة برشلونة ورئيسها جوسيب ماريا بارتوميو الذي فشل في عهده، فتراكمت الديون وزادت المشاكل بفعل القرارات السيئة، فكانت الفضيحة.
الفضيحة الاولى مثلاً في ما خصّ الجانب الفني كانت في الاستغناء عن الاوروغوياني لويس سواريز. هذا الهداف الذي كان النجم الثاني في الفريق بعد قائده الارجنتيني ليونيل ميسي، أُبعد بقرارٍ يمكن اعتباره الاسوأ في تاريخ النادي في ما يرتبط بالاستغناء عن النجوم الكبار. سواريز نفسه اليوم يتصدّر هدافي «الليغا»، وبفضله يقف أتلتيكو مدريد في صدارة الدوري بعيداً بفارقٍ مريح عن برشلونة، الذي خسر نجماً هدافاً وحاسماً ومقاتلاً اعتاد بثّ الحماسة في نفوس زملائه، وهو اكثر ما يحتاج إليه الفريق في هذه الفترة بالتحديد، حيث يبدو الاستسلام حاضراً بقوة، والدليل كلام كومان ايضاً عندما قال عقب الخسارة امام باريس سان جيرمان إنه سيكون من الصعب على فريقه التعويض والعبور الى الدور ربع النهائي.
اعترف كومان بأن برشلونة يحتاج الى سنوات طويلة لكي يتعافى


الفضيحة الثانية كانت في طريقة تعامل الادارة مع اللاعبين، وخصوصاً ليونيل ميسي الذي لن يكون مستغرباً تركه للفريق في الصيف المقبل، وهو أمر طبيعي في ظل وجوده بين مجموعة من اللاعبين الذين تراجعت مستوياتهم او الذين انتهت صلاحية لعبهم لفريقٍ كبير مثل «البلاوغرانا». هنا يمكن الاشارة الى الكثيرين، من جيرار بيكيه الى الفرنسيين كليمان لانغليه وصامويل أومتيتي، مروراً بسيرجيو بوسكتس، ووصولاً الى الدنماركي مارتن برايثوايت، وبدرجةٍ اقل الفرنسيين الآخرين عثمان ديمبيلي وانطوان غريزمان وغيرهم. لكن مهلاً، كل هؤلاء يلعبون ادواراً اساسية مع كومان...

برشلونة ليس أياكس
صحيحٌ ان الرجل لا يملك خيارات كثيرة اذا ما اراد استبدال هؤلاء، لكن المطلوب منه في هذه المرحلة اتخاذ قرارات صحيحة في ما يخصّ الخيارات الفنية لكل مباراة، ما يعني انه ليس بإمكانه مفاجأة الكلّ باختياره بيكيه مثلاً للعب اساسياً امام باريس سان جيرمان، وهو العائد من اصابة، والدليل تلك الصورة التي انتشرت على نطاقٍ واسع وبدا خلالها المدافع الاسباني ممسكاً بقميص نجم المباراة كيليان مبابي من دون ان يستطيع ايقافه.
صورةٌ تختصر البُعد الذي وصل اليه برشلونة عن الفرق المتقدّمة في اوروبا، حيث البطء هو سمة التطوّر المنتظر الذي يعيشه، ويشبه تماماً بطء بوسكتس الذي لم يكن قادراً على مجاراة الخصوم في مباريات كثيرة. طبعاً حاول كومان تعويض كل هذه المشاكل من خلال دفعه بلاعبين صغار السن، لكن لا بيدري يبدو قادراً على حمل الفريق الى جانب ميسي، ولا ريكي او اوسكار مينغويزا او الاوروغوياني رونالد اراوجو أو غيرهم بمقدورهم ترك ضمانات على ارض الملعب بأنهم يستطيعون تقديم مستوى ثابت في كل المباريات.
لذا لن يتفهم جمهور برشلونة فكرة الدفع بلاعبين شبان في أصعب فترة تحديات يعيشها النادي، إذ إن تجارب الماضي بالاسماء التي كانت موجودة لا يمكن مقارنتها بالحاضر، فمن الطبيعي ألا يجد أي مدرب كل يومٍ تشافي جديداً أو إينيستا آخر في «لا ماسيا»، مهما امتلكت من مواهب لا تبدو استثنائية في الوقت الحاضر.
ببساطة، برشلونة ليس اياكس امستردام لينتظر سنواتٍ تطوّر اللاعبين الشبان أملاً بتحقيق النتائج الايجابية، فهذا النادي الهولندي يقبل فكرة الظهور بمستوى المنافس اوروبياً كل 5 او 6 سنوات او ربما اكثر، لكن في برشلونة الوضع مختلف، حيث الهدف دائماً هو العرش الاسباني وتالياً نظيره الاوروبي.
اما الحلّ فقد يكون من خلال نتائج الانتخابات التي اصبحت قريبة وضرورية لتغيير «الحُكم» وأركانه. هي الحالة نفسها التي يتطلع اليها الكثير من اللبنانيين الذين يجدون في الانتخابات حلاًّ شافياً لبدء التغيير والسير نحو مرحلةٍ افضل تعيد الامور الى نصابها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا