ما إن يشارف الموسم الكروي على الانطلاق حتى تباشر الفرق في بداية استعدادها. ومن ضمن هذه الاستعدادات تقوم الفرق بجولات حول العالم، فتارة تلعب في شرق آسيا كما تقوم معظم الفرق الإنكليزية وتارة أخرى في الولايات المتحدة ليكون المقر الأخير للاستعدادات في القارة الأوروبية. وإذا توقفنا قليلاً عند الجولة الآسيوية، نجد أن الفرق تخوض مباريات أمام فرق أقل مستوى منها وبالتالي نتسائل عن فائدة مثل هذه المباريات على الصعيد الفني. إذا أخذنا مباراة ايفرتون الودية الأخيرة على سبيل المثال فاز فيها «التوفيز» بنتيجة 22ــ0، فمن الطبيعي أن نسأل عن الإضافة التي قدمها اللعب أمام فرق ضعيفة إلى هذا الحد.

من البطولات الودية البارزة، التي تستضيف فرقاً بارزة، هناك «كأس الأبطال الدولية» التي انطلقت منذ 5 أعوام لتستمر في كل صيف بعد ذلك. وبعيداً عمّا تقدمه مثل هذه البطولات فنياً، فما لا شك فيه أن الهدف منها بالدرجة الأولى تسويقي وتجاري. هذا إذا أغفلنا أن هدف اللعبة بأسرها صار تسويقياً. ولكن ما يميّز هذه البطولة، هو أنها تسويقية بامتياز.
وإذا أردنا البحث عما هو «خلف الستار» في كأس الأبطال، فعلينا أن نقوم بجولة. كانت البداية من عدد الملاعب التي تمتد من أميركا الشمالية إلى آسيا فأوروبا، حيث تنظم البطولة على 23 ملعباً ممتدة على 9 دول في مختلف القارات الثلاث. وإذا توقفنا هنا قليلاً نجد أن هذا الأمر سيفرض على الفرق الكثير من السفر وهو أمر مرهق قبل انطلاقة موسم طويل إذ تخوض الفرق المشاركة ثلاث بطولات ما بين محلية وأوروبية. ومن الدول التي تشارك في استضافة هذه البطولة الودية، سنغافورة الجزيرة الواقعة في جنوب شرق آسيا.وكما هو معروف فإنها من الدول التي تعتمد في اقتصادها الشق الخدماتي، لذلك فهي تركز كثيراً على تشجيع السياحة، وحالها حال دول أخرى في شرق آسيا مثل الفيليبين، تايلند وماليزيا.وتشكل زيارة فرق مثل برشلونة، ريال مدريد، مانشستر يونايتد وغيرها فرصة مهمة للظهور أمام الملايين المتابعين، حيث أن التغطية الإعلامية لهذه البطولة واسعة. وكما هو معروف أيضاً أن التكاليف السياحية في هذه الدولة مرتفعة، لكن سنغافورة أثناء هذه البطولة تفرض سعراً لا بأس به على التذاكر حيث أن الأسعار تبدأ من 28 دولاراً تشمل كلفة النقل إلى الملعب. وفي النطاق الجغرافي أيضاً، فإن الولايات المتحدة تمنح الفرصة لسكانها بأن يتابعوا فرقاً ولاعبين لا يمكنهم أن يشاهدوهم من الملعب دائماً، حيث أن حصة الولايات المتحدة هي الأكبر في استضافة هذه البطولة إذ تغطي هذه البطولة 15 مدينة أميركية، وهناك ملعبان فقط في هذه المدن يتسعان لأقل من 60 ألف متفرج. تَوزع المباريات بهذا الشكل سيمنح الفرصة لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين، فعلى سبيل المثال مباراة «ديربي شمال غرب إنكلترا» بين ليفربول ومانشستر يونايتد ستلعب في ملعب «ميشيغان» الذي يعتبر واحداً من أكبر الملاعب في العالم من حيث السعة الجماهيرية (107،601 متفرج). هذه المباراة ستكون كفيلة بأن تعود بأكثر من 20 مليون دولار من بيع التذاكر فقط إذ يتراوح سعر التذكرة ما بين 80 إلى 340 دولاراً، فما بالنا في بيع أمور أخرى من الأشياء التي تباع في الملعب وأرجائه.
توسعت الدراسات الحديثة في عالم التسويق لتشمل استغلال الرياضة


وفي سياق متصل، فإن المحافل الرياضية فرصة مثالية للشركات التجارية للقيام بعملية وضع المنتج «product placement». وفيما يجتمع الباحثون في مجال الاتصال المؤسساتي على أن هذه العملية تتم في الأفلام السينمائية أو في برنامج تلفزيوني، توسعت الدراسات الحديثة في عالم التسويق لتثبت أن استغلال البطولات الرياضية والرياضيين يعطي دفعة إضافية في هذا الشق، ويدعمان الخطة التسويقية. ولا يمكن أن يغيب هذا الأمر عن كأس الأبطال الودية التي يتابعها الملايين حول العالم، وبطبيعة الحال فإن أي شركة تسعى في عملية الاتصال للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير (المستهلكين)، وكرة القدم ومثل هذه المسابقات تعطيك كمسوق فرصة للوصول إلى أكبر عدد ممكن بكلفة أقل من تلك التي تدفع على الإعلانات التلفزيونية.
وإذا أخذنا «غيتوريد» كمثال وهي أحد الشركات التي تنتج مشروبات رياضية وترعى كأس الأبطال الودية، فإنها تمنح المستهلكين من خلال رعايتها للاعبين ولمثل هذه البطولات الثقة في منتجها، لأنهم بمجرد رؤية أحد اللاعبين يستهلكون «غيتوريد» داخل الملعب تزيل الشكوك في مدى تأثيرها على الصحة، خصوصاً أنه دائماً ما تنشر الدراسات التي تعكس ضرر مشروبات الطاقة. وفي كأس الأبطال أيضاً فإن شركة «هاينكن» تترأس الداعمين لهذه المسابقة، وتحاول أن تثبت فكرة أنها مشروب كل الفئات. فبعيداً عن كرة القدم والمشجعين البسطاء باتت دائماً تحاول الظهور في سلسلة أفلام «جيمس بوند» وتستخدم شخصيته كبطل لإعلاناتها، حيث يمثل الأخير بزيِّه وطريقة تصرفه فئة معينة من المجتمع. يظهر اسمٌ آخر كراع رسمي للبطولة وهي شركة «كونامي» التي تصنع ألعاب الفيديو. تراجعت مبيعاتها في السنوات الأخيرة في العالم خصوصاً مع «الثورة» والتطور الذي أحدثته لعبة «الفيفا». وتحاول «كونامي» العودة إلى الواجهة، لكن غايتها من دعم البطولات الأميركية الميلاد هي توسيع قاعدتها الاستهلاكية في شرق آسيا، إذ يتابعون البطولة بشكل أكثر من غيرهم خصوصاً في ظل فارق الوقت في المباريات بين منطقة وأخرى.
وكما تحظى كأس الأبطال باهتمام المؤسسات لأنها منصة لإظهار نفسها وبناء صورة جميلة في أذهان الحاضرين والمتابعين، فإن وراء هذا السعي لدعمها حضور إعلامي من أهم الشبكات الإعلامية في مختلف المناطق، حيث أن مؤسسات إعلامية مثل «برميير سبورت»، «إي أس بي أن» و«بي ان سبورتس» تقوم ببثّ مباريات هذه المسابقة الودية، ما يمنح الشركات الراعية فرصة للظهور في مناطق مختلفة من العالم في فترة زمنية واحدة. وهكذا، تصير كأس الأبطال، بمبارياتها المملة، والخالية من أي شغف، هي النموذج الأوضح لكرة القدم المعولمة، في طورها النيوليبرالي الصريح.