موسكو | بددت كأس القارات الفكرة المأخوذة عن الشعب الروسي المعروف عنه أنه لا يبتسم إلا في الحالات النادرة. من يحلّ هذه الأيام في موسكو يجد الابتسامة في كل مكان. الجميع هنا يدركون أن وطنهم في تحدٍّ مهم أمام العالم، وعند ذلك يقفون يداً واحدة لإعلاء شأنه.
"الروسي يربط خيله بالعربة بطيئاً، لكنه يقوده سريعاً". المثل الشعبي المعروف عن الشعب الروسي تجسّد واقعاً في كأس القارات حيث نجحت روسيا في إثبات قدرتها على تنظيم "بطولة لا تنسى" في "بروفة" نهائية لقدراتها التنظيمية قبل كأس العالم 2018.
ومن دون جهد يستطيع أي مشجع أو متابع أن يلاحظ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية لإنجاح الحدث. وزير الرياضة، ورئيس اللجنة المنظمة المحلية، فيتالي موتكو، أوضح أن اللجنة المنظمة نجحت في إنجاز كل ما هو مطلوب على صعيد البنى التحتية وعلى صعيد تسهيل حركة المشجعين من خلال اعتماد سياسة عدم فرض التأشيرة على حاملي التذاكر، أو ركوب القطار مجاناً لحاملي التذاكر المسافرين بين المدن المضيفة ووسائل النقل المختلفة داخل المدن، مؤكداً أن هذه التدابير هدفها "ضمان شعور الناس القادمين من جميع أنحاء العالم بحفاوة الاستقبال في روسيا".
النجاح في سلاسة تنقل المشجعين بين المدن الأربع المضيفة، موسكو، سان بطرسبرغ، قازان، وسوتشي، وحتى داخل المدن نفسها، ينسحب أيضاً على سهولة الوصول إلى الملاعب.
في ملعب سبارتاك موسكو الذي سيستضيف أربع مباريات، ثلاث منها في الدور الأول، كانت كل الأمور جاهزة لاستضافة مشجعي مباراة تشيلي والكاميرون. منذ الوصول إلى محطة مترو "سبارتاك" القريبة من الاستاد، لمس المشجعون حجم الجهد المبذول من قبل السلطات لضمان سلامتهم. الشرطة والجيش الروسي انتشروا بكثافة، بهامش عنصر أمني كل متر واحد، من داخل محطة المترو حتى بوابات الملعب، وأقاموا نقاط تفتيش دقيق وفّر الراحة للمشجعين الذين أبدى بعضهم في تصريحات إلى "الأخبار" ارتياحهم للإجراءات المتبعة.
الأجهزة الأمنية شدّدت الإجراءات الأمنية لمكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن المشجعين، تنفيذاً لمرسوم وقّعه الرئيس فلاديمير بوتين خاص برفع الجاهزية الأمنية خلال كأس القارات وكأس العالم. كذلك فإن السلطات الروسية حازمة في منع حدوث أي طارئ أمني يعكّر صفو البطولة، وبناءً على ذلك، قررت السلطات منع 191 مشجعاً، ممن شاركوا في أعمال عنف خلال كأس أوروبا 2016 في فرنسا، من الدخول إلى ملاعب البطولة، وذلك عبر تحديد هوياتهم من خلال نظام بيع التذاكر الذي يتطلب من كل مشجع إبراز بطاقة هويته عند الشراء.
المتطوعون قدّموا صورة أيضاً عن نجاح اللجنة المنظمة في توفير كل ما يحتاج إليه المشجعون لوجستياً. أكثر من 5800 متطوع من الروس والأجانب، بينهم 1600 في موسكو، قدّموا المساعدة للمشجعين، وتجاوبوا مع أي سؤال أو استفسار.
الصحافي الأميركي ماركوني غابريال، أبدى رضاه عن التنظيم. وردّاً على سؤال "الأخبار" حول رأيه في التنظيم الروسي، قال غابريال الذي حضر العديد من المسابقات الدولية، إنه من خلال مشاهداته يمكن الجزم بأن روسيا نجحت في الامتحان، مضيفاً أن نجاح كأس القارات مؤشر على أن كأس العالم ستكون بطولة ناجحة.
وبالحديث عن الجمهور، يمكن اعتبار البطولة ناجحة جماهيرياً مع بيع أكثر من 480 ألف بطاقة، أي حوالى 60% من البطاقات البالغ عددها 650 ألف بطاقة حتى يوم السبت الماضي، والرقم مرشّح للارتفاع مع استمرار السياح بشراء البطاقات.
الصحافي الكندي كاري مانويل رأى أن عدد البطاقات المبيعة حتى الآن يمكن اعتباره جيد جداً نظراً إلى عزوف الجماهير سابقاً عن متابعة البطولة. وأضاف مانويل في تصريح إلى "الأخبار" أن على "الفيفا" إعادة النظر في الجدوى من إقامة البطولة التي تستنزف الجماهير والمنتخبات على حدٍّ سواء.
يقول الشاعر الروسي تيوتشيف في إحدى قصائده "لا يمكن إدراك روسيا بالعقل، بل بالإيمان بها". هذا البيت يلخّص مشهد نجاح كأس القارات، إذ حتى الآن قدّمت روسيا للمحبّين والكارهين معاً بطولةً نموذجية تؤكد قدرتها على تقديم صورة نموذجية في المحافل الرياضية الدولية، وتركت الجمهور في حالة انتظار وشوق لما سيلقاه في العرس الكروي المقبل.