لطالما تميّزت ألمانيا على مدار تاريخها الكروي بأنها أحد أفضل البلدان في تخريج حراس المرمى المتألّقين. حالياً، وبعد اعتزال أوليفر كان وينس ليمان، يبدو أن ثمّة معضلة قد يطول حلّها حتى يُملأ الفراغ الذي خلّفه هذان الحارسان الكبيران

حسن زين الدين
من المنطقي أن يدور جدل واسع حول اسم الجديرين بمركز حراسة مرمى المنتخب الألماني لكرة القدم في الوقت الحالي، وذلك حتى إيجاد البديل المناسب ليحظى «بشرف» ملء هذا المركز الذي يعني الكثير في المدرسة الكروية الألمانية على مرّ تاريخها، وهذا ما يزيد من ثقل المهمة الملقاة على عاتق مدرب المنتخب يواكيم لوف.
قصة حراسة المنتخب تبدأ فصولها عند كان وليمان بالذات. إذ شغلت مسألة الخلافات المتتالية بين الحارسين الرأي العام في ألمانيا خلال الفترة التي سبقت كأس العالم 2006. والمفارقة أن هذه القضية كان بطلاها حارسين تخطّيا الـ35 من العمر، وكانا على أبواب الاعتزال، فيما كان يفترض وقتذاك أن يكون الاهتمام منصبّاً على تهيئة حارس أصيل لخلافتهما.
ومهما يكن من أمر، فإن تيمو هيلدبراند (29 عاماً)، حارس فالنسيا الإسباني، وقف وحيداً في ظلهما دائماً، وكان يتحيّن الفرصة المناسبة ليصبح الحارس الأول لـ«المانشافت»، وقد كان الرهان كبيراً عليه في ألمانيا، وخصوصاً أنه ظل احتياطياً ثالثاً لفترة طويلة، واكتسب خبرة كبيرة من سلفيه. لكنّ موسمه الأول المخيّب مع فالنسيا رسم علامات استفهام كثيرة حول جدارته بهذا الموقع. وبالفعل، فإن لوف استبعده من تشكيلة المنتخب في كأس أوروبا الأخيرة، مفضّلاً عليه روبرت أنكه حارس هانوفر كاحتياطي لليمان.
أنكه (31 عاماً) حارس «المانشافت» الحالي قفز فجأة إلى الواجهة، مستغلاً تذبذب مستوى هيلدبراند، وهفوات تيم فيزه حارس فيردر بريمن والذي كان أيضاً من بين المرشحين لخلافة ليمان. لكن ما يأخذه البعض على أنكه أنه اشتهر في وقتٍ متأخر بخلاف كان وليمان، رغم أنه خاض تجارب في أندية أوروبية عدة هي برشلونة وتينيريفي الإسبانيين، بنفيكا البرتغالي وفنربخشه التركي.
إلا أن مباراة المنتخب الأخيرة أمام فنلندا في تصفيات كأس العالم 2010، عادت لتكشف أن الأمور تبدو غير مستقرة تماماً. إذ تلقّى أنكه ثلاثة أهداف كانت كافية لتعيد طرح المسألة في الأوساط الألمانية. ورغم تجديد الثقة به لتمثيل ألمانيا في المباراة المقبلة والمهمة أمام روسيا، فإن نصائح المدرب لوف الأخيرة لهيلدبراند بالانتقال من فالنسيا حيث يلعب احتياطياً إلى نادٍ آخر، تظهر أن مسألة حراسة أنكه المطلقة للمنتخب لم تُحسم.

أزمة في بافاريا

بالحديث عن مركز حراسة المرمى في المنتخب الألماني، لا يمكن إغفال دور نادي بايرن ميونيخ الذي قدّم للعالم «القطّ» الفذّ سيب ماير في السبعينيات، و«الوحش» أوليفر كان في التسعينيات.
لكن الأمور لا تبدو على ما يرام أيضاً في أشهر أندية ألمانيا، إذ ثمة أزمة حراسة بدأت تلوح في الأفق هناك. فخليفة كان، الشاب ميكايل رينسينغ، خيّب الآمال التي كانت معقودة عليه عند بداية الموسم، وأظهر عمق الهوّة مع سلفه، وخصوصاً في مباراة فيردر بريمن حيث دُكّ مرماه بخماسية كان مسؤولاً عن اثنتين منها على الأقل. وقد تعرّض بعدها لانتقادات رغم أنه لا يزال يحظى بدعم أوليفر كان.
مختصر الكلام أن أعرق نادٍ ألماني يبدو غير جاهز، على الأقل في السنتين المقبلتين، لإمداد المنتخب بحارس على صورة العملاق كان.

تفاؤل مستقبلي

المطّلعون عن كثب على أحوال الكرة الألمانية، يدركون تماماً أن في بلدٍ كألمانيا، اشتهرت كمدرسة للحراس، لن تصل الأمور هناك بالتأكيد إلى حدود أزمة في مركز حراسة المنتخب. إذ إن هذه الفترة قد تبدو انتقالية حتى «تختمر» خبرة حارسين صغيرين يُتوقع أن يكون لهما شأن كبير مستقبلاً، وهما رينيه أدلر حارس باير ليفركوزن ومانويل نوير حارس شالكه.
ويشغل أدلر (23 عاماً)، مركز الحارس الثاني في المنتخب حالياً خلف أنكه، وهو مرشح أن يخلفه قريباً، وذلك بعد أن كان حارساً لمنتخب شباب ألمانيا.
أدلر يتميّز بمهارةٍ عالية وليونة تتيح له القيام بصدّات استعراضية لافتة. وقد كانت كفاءته سبباً أساسياً في استغناء ليفركوزن عن حارسه المخضرم هانز يورغ بوت، وهو يحظى بإعجاب لوف الذي قال عنه: «إنه رائع، ليس في مشاهدة صدّاته الاستعراضية فحسب، بل في قدرته على قراءة المباراة. إذا استمر بعمله الجيّد هذا، فستأتي فرصته حتماً».
أما نوير( 22 عاماً)، فقد أظهر كفاءة عالية جداً في صفوف شالكه خلال الدوري الألماني، وخصوصاً في مسابقة دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، حيث قاد فريقه إلى الدور ربع النهائي، بعد تألّقه في لقاءي بورتو البرتغالي تحديداً، وهو يتمتع ببنية جسدية هائلة وكاريزما عالية، يقارب بهما إلى حدٍّ ما، كان. وعندما سُئل أحد أفضل الحراس في العالم، الإيطالي جانلويجي بوفون، عمن يرشح لحراسة «المانشافت»، كان جوابه: «بالنسبة إليّ، هناك اثنان. الأول هو فتى شالكه الرائع نوير، إنه مبدع حقاً، والثاني هو هيلدبراند»، علماً بأن نوير وأدلر حازا جائزة أفضل حارس في «البوندسليغه» عامي 2007 و2008 على التوالي.
مسألة حراسة «المانشافت» لا تتوقف في ألمانيا عند حدود إيجاد حارسٍ جيّد فحسب، بل يضاف إلى ذلك أهمية تمتّعه بقوة الشخصية والكاريزما العالية وعنصر القيادة. وفي العودة إلى الماضي، نجد أن حراس منتخب ألمانيا تركوا بصمة واضحة في عالم اللعبة، بدءاً من «القط» سيب ماير الذي حرس مرمى بايرن ميونيخ من عام 1965 حتى 1980. ومن بعده جاء طوني شوماخر في الثمانينيات، وبودو إيلغنر مطلع التسعينيات، ثم خلفهما أندرياس كوبكه، وجاءت حقبة أوليفر كان المميزة، تلاه ينس ليمان. وجميع هؤلاء ظفروا بلقب أفضل حارس في العالم أو في أوروبا.
في ألمانيا حالياً، تبدو الأمور في متناول يد المعنيين الكرويين، ولن تصل في حال من الأحوال إلى أزمةٍ في حراسة مرمى المنتخب. لكنّ هذا الأمر لا يمنع هؤلاء ربما من الحنين إلى فصول حكاية كان ــــ ليمان، رغم ما سبّبت لهم من ضغوطات وإزعاج. إذ كان عرين المنتخب الألماني حينها محمياً ولا قلق عليه.
لكن من يعلم، إذ قد تستكمل فصول هذه الحكاية مستقبلاً، ويكون بطلاها الجديدان هذه المرّة أدلر ونوير.


ألمانيا تنتظر تجدّد صراع أوليفر كان وينس ليمان عبر رينيه أدلر (فوق) ومانويل نوير