الجدال الذي لا ينتهي في عالم كرة القدم، عنوانه: مَن الأفضل الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا أم البرازيلي بيليه؟ وقد تأجّجت نار هذا الصراع بين مشجّعي «الأسطورتين» بسبب تصريحاتهما اللاذعة، كل بحق الآخر
شربل كريم
عام 1986، بدأت مواجهة سياسية قاسية بين البرازيل والأرجنتين على خلفية عراك خلال مباراة بين منتخبيهما بدأ عبر اللاعبين، وتطوّر بعد دخول مشجعين إلى أرض الملعب. بعدها اتهمت البرازيل مضيفتها بتعمّد عدم تأمين حماية كافية، إلا أن الحكومة الأرجنتينية نفت هذه الاتهامات، فاشتعلت الحرب بين الطرفين إلى أن تدخّل الرئيس الأميركي رونالد ريغان وأرسى اتفاق سلامٍ بينهما. هذه الواقعة ليست سوى عيّنة من الصراع الأزلي بين البلدين على الصعيد الرياضي، وخصوصاً في كرة القدم التي يتنفّسها شعباهما. وبالتأكيد، فإن نار العداوة اشتعلت أكثر بعد ظهور مارادونا على الساحة ليصبح المنافس التاريخي لبيليه على عرش «ملك» المستطيل الأخضر.
«معركة أميركا الجنوبية» هو العنوان الذي يطلق على مباراة الأرجنتين والبرازيل، إذ حتى لو كانت ودية فإنها قد تشهد تصادماً، وذلك أن النزاع بين الطرفين يعود إلى الماضي الغابر، وتحديداً أيام الاستعمار الإسباني والبرتغالي للبلدين، حيث حاول كلٌّ منهما التوسّع باتجاه الآخر في محاولةٍ لكسب المزيد من الأراضي...
لكن اليوم، قلّة هم أولئك الذين يتحدثون عن المواجهات السياسية بين البلدين، فالتحدي الدائم هو في عدد الأهداف التي يدكّ بها أحد المنتخبين شباك الآخر، وهما التقيا في 93 مباراة أولها عام 1914، فازت البرازيل في 36 منها والأرجنتين في 34، وتعادلا 23 مرة.

صراع «الأسطورتين»

فرانتس بكنباور، يوهان كرويف، الفريدو دي ستيفانو، فيرينك بوشكاش، كلّها أسماء عظيمة سطعت في سماء اللعبة، لكنها لا تلبث أن تسقط من التداول عندما يدخل الناس في سجلّ الأفضل على الإطلاق، إذ إن الحلبة تخلو تماماً لبيليه ومارادونا.
ويعرف كل متابع بأن الجدل حول اسم «أسطورة» كرة القدم لن ينتهي أبداً، وحتى الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يحسمها، لا بل ساهم في توسيع التصدّع الحاصل. ففي عام 2000 قرّر «الفيفا» منح

مارادونا: ماذا تريدون منّي أن أقول عن ذاك (بيليه) الذي فقد عذريّته مع رجل؟

بيليه: «لا يمكنك أن تأخذ أي كلام يقوله مارادونا على محمل الجدّ. وبطبيعة الحال كلنا يعرف من هو مارادونا وكلامه لا معنى له»
جائزة «لاعب القرن» فتفوّق مارادونا على بيليه بفارقٍ كبير، محرزاً 53.6 في المئة من أصوات المقترعين عبر شبكة «الإنترنت»، مقابل 18.53% للأخير. لكن قبل ساعات على بدء الحفل، أقرّ «الفيفا» فجأةً منح جائزة مشابهة لبيليه مستنداً على حدّ قوله إلى تصويتٍ للصحافيين، فعادت الأمور متعادلة، وفتحت نقاشاً جديداً حول تحيّز «الفيفا» لبيليه المساند له والتآمر على مارادونا الذي وجّه غالباً انتقادات تجاه أعلى سلطة كروية.
من هنا، ازدادت وتيرة الحرب الكلامية بين «الأسطورتين»، إذ عيّر البرازيلي نظيره الأرجنتيني دائماً بالمشكلات التي واجهها مع المخدرات، معتبراً أن الاخير لم يكن مطلقاً المثال الذي يحتذى به في اللعبة. وكانت تصريحات مارادونا أقسى في بعض الأحيان، إذ ردّ على اتهامات بيليه في آذار الماضي بطريقة لا تخلو من لغة الشوارع، بقوله: «ماذا تريدون مني أن أقول عن ذاك الذي فقد عذريته مع رجل؟».
وها هي المباراة المرتقبة بين العملاقين، في نهاية الأسبوع الجاري، تعيد فتح ملف المناوشات الإعلامية، إذ بعد تصريح مارادونا بأنه أفضل من بيليه وبأن لاعبيه الأرجنتينيين هم أفضل من البرازيليين، فتح الأخير النار على المدرب النجم، قائلاً: «لا يمكنك أن تأخذ أي كلام يقوله مارادونا على محمل الجدّ. أنا أثق بالبرازيل وخصوصاً عندما تلعب ضد منتخبات أصغر منها كالأرجنتين مثلاً. وبطبيعة الحال كلنا يعرف من هو مارادونا وكلامه هذا لا معنى له».

إلى معركة روزاريو

كل شيء ينبئ بمعركةٍ حامية الوطيس عندما سيلتقي المنتخبان في روزاريو فجر الأحد (الساعة 3.30 بتوقيت بيروت)، إذ إن الأرجنتينيّين غالباً ما يعدّون استقبالاً حاراً للبرازيليين، فكيف هي الحال إذا كان «أيقونتهم» مارادونا مهدداً من قبل منتخب «السامبا» لأن خسارة منتخب الأرجنتين للقاء ستجعله ببساطة في موقفٍ حرج، ما قد يدفع الاتحاد المحلي للانصياع إلى الأصوات الداعية لإقالة «الفتى الذهبي» قبل فوات الأوان وتبخّر حلم المونديال.
مارادونا نفسه أراد تحضير أسوأ استقبال للبرازيليين، إذ تبيّن أن طلبه نقل المباراة من «إستاديو مونومونتال» في بوينس آيرس (جرت العادة أن يكون هذا الملعب مسرحاً للقاء العملاقين)، إلى «إستاديو جيغانتي دي أروييتو» في روزاريو ليس بسبب سوء أرضية ملعب ريفر بلايت، بل لخلق ضغطٍ أكبر على الضيوف لكون المدرجات تبعد خمسة أمتار فقط عن أرضية الميدان!
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ طلب مارادونا جزّ عشب الملعب قبل ساعات على صافرة البداية، وذلك بهدف تسريع حركة الكرة، ما يسمح بالتالي أمام النجم ليونيل ميسي إحداث فارقٍ، وهو الذي يتمتع أصلاً بسرعةٍ خارقة. وميسي نفسه شغل تفكير مارادونا طوال تحضيره الطويل للقمة، إذ بسببه أيضاً فضّل نقل اللقاء الى روزاريو مسقط رأس اللاعب الموهوب، كما طلب المدرب من الأخير عدم المشاركة مع فريقه برشلونة الإسباني في مباراته الافتتاحية ضمن الدوري المحلي ليكون في جهوزية بدنية تامة.
فجر الأحد، كل عاشق للمستديرة سيكون قلقاً على الأرجنتين لأن غيابها عن المونديال سيترك فراغاً لا يعوّض، لكن للبرازيليين رأياً آخر، فهم يريدون إعدام «راقصي التانغو» أمام أعين جماهيرهم التي ستقف لتحيي الحرب مجدداً عبر أغنيتها الشهيرة: «أيها البرازيليون، لماذا أنتم خائفون، هل لأن مارادونا أفضل من بيليه؟».


مقارنة مارادونا وبيليه في غير محلّها

يمكن القول إنه لا تجوز المقارنة إطلاقاً بين بيليه ومارادونا، إذ كل من اللاعبين وجد النجومية في عصرٍ مغاير. وإذا كان البرازيلي أحرز لقب المونديال أكثر من الارجنتيني فإن الاخير لعب على مستوى أعلى عندما احترف في بطولتي إسبانيا وإيطاليا اللتين تعدّان أصعب من الدوري البرازيلي، حيث تعامل فيهما المدافعون مع دييغو بعنف في معظم الأحيان.