يعمل حمودة، في مقهى شعبي في الخرطوم، أغلب زبائنه من سوريا ممن يلعبون الشدة (الورق) والشطرنج. يمتد دوامه 14 ساعة يومياً، هو الذي اعتاد العمل منذ أن أخرجه أهله من المدرسة في سن الرابعة عشرة، قبل أن ينتقل وأسرته إلى السودان وعمره 16 عاماً. لا يستطيع الشاب العودة اليوم إلى سوريا، بسبب هاجس «الخدمة الإلزاميّة»، وهو لا يملك في الوقت نفسه ما يكفي لسداد البدل النقدي المطلوب. يقول «بعد نزوحنا من الغوطة، جئنا إلى السودان. عقب توقف الحرب في الغوطة، استطاع والدي ترميم المنزل، وعادت أمي وإخوتي، وبقينا أنا وأخي الأكبر»، لأنهما في سن التجنيد الإلزامي.
«لا نمتلك قيمة البدل»
في الأيام الخوالي، كان كثير من الشبان السوريين يسعون إلى السفر، بغية تحصيل قدر من المال، ومن ثم العودة لافتتاح مشروع صغير، وشراء منزل وسيارة. أما اليوم فقد بات السفر بالنسبة إلى الكثيرين، حلّاً لتحاشي «التجنيد الإجباري». وتتيح القوانين لمن يقيم خارج سوريا أربع سنوات فما فوق، تسديد البدل النقدي عوضاً عن الالتحاق بالتجنيد الإجباري، لكن الملاءة المالية ليست متوافرة عند حمودة وشقيقه. «أجورنا اليوم لا تكفي لشراء بطاقة الطائرة، ودخل أهلي في سوريا يكفي بالكاد لمعيشتهم. لا نعلم متى نستطيع العودة».
تشكل العاصمة السودانية تجمّعاً لافتاً للسوريين لاستقبالها لهم بلا تأشيرات


تشكل العاصمة السودانية تجمعاً لافتاً للسوريين، بفضل استقبالهم فيها بلا حاجة إلى تأشيرات، وعدّهم زوّاراً، لا لاجئين. يشكل الشبان في سن التجنيد شريحة لا بأس بها من السوريين في السودان، ويفكر كثير منهم في العودة إلى بلادهم بمجرد تمكنهم من دفع البدل النقدي اللازم لإعفائهم من التجنيد. لكنّ جمع المبلغ ليس سهلاً، في ظل تدني مستوى البدل. لا يكفّ تمّام، عن التفكير في مستقبله. هو الذي لم يتلقَّ تعليماً أكاديمياً، مكتفياً بالدراسة الثانوية، ليستقر في محلّ العائلة، لتركيب وبيع العطور في إحدى أسواق حلب. ومنذ بواكير الحرب، اتجه الشاب إلى الخرطوم، ليبدأ مشروعه الخاص مع شريك والده. يقول «أول الأمر، كانت المعيشة رخيصة هنا. ورغم أن كلفتها قد ارتفعت اليوم، لكن الوضع مقبول. يمكن لأي شخص تدبّر أمره إذا وجد عملاً». يقول الشاب إن ذويه قادرون على مساعدته في سداد المبلغ المطلوب، لكنّه يفضل الاعتماد على نفسه، ولو أن ذلك يعني المزيد من سنوات الغربة، خاصة أنّ «قيمة البدل كبيرة».

بلاد «الفايكينغ» غير
قبل سنوات، فرّ رائف (اسم مستعار) من القامشلي باتجاه تركيا، ثم غادرها لينتهي به المطاف في السويد. تعلم الشاب اللغة السويدية سريعاً، واستطاع «لمّ شمل» عائلته. وهو يعمل اليوم، ويحصل على راتب جيد. لكن كل ما تقدّم، لم يكن كافياً في نظر الشاب، ما دام غير قادر على العودة إلى بلاده، ولو على سبيل الزيارة. يقول الشاب «الحياة في السويد جميلة جداً، والواحد هنا يحصل على راتب جيد لقاء عمله على عكس الواقع في سوريا». ويضيف «القيد الوحيد هو عدم القدرة على رؤية أهلي وأصدقائي، الحياة في السويد مملّة لنا نحن السوريين. لا توجد حياة اجتماعية، الشوارع تغلق عند السادسة، وبعدها يستسلم الجميع للبيت، إلا في يوم أو اثنين من الأسبوع، تكون هناك حفلة أو فعّالية ما، ونستطيع التنفّس من خلالها». وبفضل ظروف الحياة الجيدة في «بلاد الفايكينغ»، أفلح رائف في جمع المبلغ المطلوب. وهو اليوم ينتظر اللحظة المناسبة، ليقوم بالتسديد، بعد أن راجع القنصلية السورية، وأتمّ ما عليه من معاملات «تسوية الوضع».

لا تخفيضات في المدى المنظور
سرت قبل فترة أقاويل كثيرة، حول تخفيض مرتقب لقيمة «البدل الخارجي»، من ثمانية إلى أربعة آلاف دولار. علاوة على إشاعات حول دراسة لإقرار «بدل داخلي»، يمكن لمن لا يرغب في الالتحاق بالتجنيد سداده، حتى ولو كان مقيماً داخل سوريا. يقول «رئيس لجنة الأمن الوطني» في مجلس الشعب، اللواء فيصل خوري، إلى «الأخبار» إن اللجنة التي يرأسها، كُلفت منذ سنوات بإجراء دراسة حول البدل النقدي، بشقيه الداخلي والخارجي. بيّنت الدراسة أنّ «البدل الداخلي مرفوض، لأنه مخالف للدستور السوري» وفقاً لخوري. فيما اقترحت تصنيف الشبان المقيمين خارج سوريا إلى شرائح، تختلف قيمة البدل المطلوب سداده بين شريحة وأخرى. «6 آلاف دولار للمقيمين بقصد الدراسة، و8 آلاف للمقيمين بقصد العمل. و10 آلاف لمن تأخروا في إثبات إقامتهم خارج البلاد، فيما يخضع الذين غادروا بطريقة غير شرعية، لمحاكمة قضائية». يؤكد خوري أن «الأرقام المذكورة ما زالت قيد الدراسة»، ويوضح أن كل ما تقدم هو مجرد اقتراحات. ويقول «لا يوجد أي قرار في المدى المنظور، الوضع قائم كما هو، بالقيمة الحالية، وإذا اتخذت قرارات جديدة فسيعلم بها الناس. الأمر خاضع لاعتبارات متداخلة كثيرة».