تنكبّ هبة صالح فوق آلة الخراطة. تشذّب حبات «الباكلايت» تمهيداً لتطعيمها بالفضة أو النحاس، قبل أن تضمّها في خيط سبحة أو تخلق منها قرطاً أو عقداً جميلاً. تمتلك هبة (22 عاماً) موهبة فريدة في تطعيم الخشب والنحاس والفضة والأحجار الكريمة. إلى جانب دراستها في كلية الطب البشري، واحترافها الرسم التشكيلي على النحاس، وهي حرفة دمشقية قديمة تعود جذورها إلى الألف الثاني قبل الميلاد.في محترف للأعمال اليدوية والحرف التراثية، شرق العاصمة دمشق، تجتمع هبة مع عدد من محبّي هذه المهن، بإشراف مدرّب مختصّ يساعدهم على صقل هواياتهم، ومن ثم تسويق منتجاتهم في المعارض المحلية، استعداداً لتصديرهم بوصفهم حرفييّن مختصين إلى العالم. تختصر هبة حبّها للمهنة والمكان الذي أسهم في تعليمها بالقول: «في مرحلة من العمر يشعر الإنسان بأن شيئاً ما ينقصه، وفي هذا المكان وجدت ما ينقصني». حين التحقت الشابة بكلية الطب البشري، اكتشف مصادفةً أن لديها موهبة الرسم، فبدأت بتنميتها شيئاً فشيئاً في أوقات فراغها. بعد عامين، نقلت تلك الرسوم من الورق إلى النحاس، بعد أن خضعت لدورات تدريب جماعية وشخصية عبر «يوتيوب»، لتجذبها الحرفة وتغوص فيها وفي تفاصيلها الدقيقة، وتاريخها أكثر فأكثر، حتى أصبحت اليوم من الحرفيين القلائل الذين يمارسون هذه المهنة.
توضح هبة لـ«الأخبار» أن «الكفة لا ترجح لمصلحة حرفتها على حساب دراستها، أو بالعكس». تقول «أصابعي ثابتة في استخدام أدوات الرسم وآلات الخراطة والتطعيم، وأحلم بتوظيفها قريباً لحمل مبضع الجراحة التجميلية الترميمية». تدخل هبة عامها الخامس في الجامعة. غير أن الشغف بالرسم والتاريخ والحرف التراثية التي شارفت على الاندثار، هو ما يدفعها إلى التمسك بهوايتها، بالرغم من معارضة أهلها ومدرّسيها، وخوفهم المستمر من تقصيرها في الدراسة. تحاول الشابة جاهدةً التوفيق بين تحصيلها العلمي وحرفتها، لتثبت لنفسها أولاً، ثم محيطها، أن الإنسان «عندما يحبّ شيئاً سيجد ألف طريقة لخلق الوقت من أجله». تخلت هبة عن كثير من المتع الثانوية، التي قد تشغل أبناء وبنات جيلها، في سبيل تنظيم يومياتها ووقتها. «لا تدفنوا أحلامكم»، بهذه العبارة تتوجه الحرفيّة الصغيرة إلى كل من لديه حلم أو موهبة ما. وتضيف: «ابدأوا بتنظيم الوقت، وشغفكم كفيل بخلق الطاقة اللازمة للاستمرار».