وصل الموت الى منطقة برج البراجنة أمس. أبناء منطقة عين السكة توقعوه عندما هزّت التفجيرات الانتحارية منطقتي حارة حريك وبئر العبد في الأعوام الماضية. أمس تحول الكابوس الى حقيقة عاشها سكان عين السكة. حطّ الموت بينهم، ودمّر التفجيران جزءاً من سوق الفقراء. الاكتظاظ الذي اعتادته المنطقة، لم يكن أمس سببه توقف سائق تاكسي، فجأة، لشراء فنجان قهوة، أو بسبب إصرار امراة عجوز على السير في منتصف الطريق لضيق الرصيف.
عين السكة، لمن لا يعرفها، لا تنام. صباحاً هي قِبلة النسوة لشراء حاجياتهم، وليلاً مقصد الشبّان للسهر في «اكسبرساتها» على مفترقات الأزقة. هنا لا يمكن التفريق بين سوري وفلسطيني ولبناني. القاسم المشترك هو الحرمان والفقر. السوق وجهة نساء المخيم. فجأة، يمكن أن تركب «صبحية» عند «أبو علي»، بائع الخضروات الذي وقع التفجير أمام محله. الرجل الجنوبي من أقدم الباعة في المنطقة، يعرف أسرار نصف زبوناته، وبحكم العمر والجيرة والعِشرة أصبح الرجل السبعيني والداً للجميع. اليوم، لن يفتح أبو علي محله المدمر اليوم، والمنطقة ستكون مشغولة بلملمة أشلائها. التفجير الأول وقع بالقرب من حسينية الرمل. ولدى تجمع الشبان لنقل الشهداء والجرحى، فجّر انتحاريّ ثانٍٍ نفسه، أمام سنتر منصور. عصف الانفجار قتل انتحارياً ثالثاً قبل أن يفجّر نفسه، وقذفه الى داخل فرن مكي. الذهول علا وجوه من كانوا في الشارع لحظة وقوع التفجيرين. كان هؤلاء يتلمسون وجوههم غير مصدقين أنهم عاشوا «التجربة الانتحارية».
بالقرب من عين السكة، التي كانت في القرن الثامن عشر استراحة للمسافرين الى فلسطين والقادمين منها، خرج أبناء مخيم برج البراجنة. أقفلوا باب مخيّمهم بالتنسيق مع حزب الله. كانت الحواجز مشتركة والتنسيق مشتركاً. فعين السكة جارة المخيم، ووجهة الشبان الذين اعتادوا شراء ملابسهم و«أراغيلهم» من هناك. اليوم لن نمر من عين السكة، ولن يكون توقفنا عند «الدلباني»، لشرب فنجان قهوة «ع السريع» سبباً لزحمة سير. اليوم لن يخفف أحد سيره ليستمتع برائحة «البريوش» عند أفران مكي أو للنظر الى صورة الشهيد محمد عواد. اليوم سنضطر الى تغيير طريقنا، بعدما عاد الانتحاريون الى أحضاننا.