خرق انفجار عرسال، أمس، هدوءاً ساد لفترة، غاب خلاله اسم البلدة عن التداول إعلامياً، وخرجت الى حدّ ما من دائرة الضوء، رغم استمرار عمليات الخطف والقتل والتهجير. لم يعد يأبه أحد لما يجري فيها، اللهم إلّا قلّة. الانفجار الذي وقع في وضح النهار وأدى إلى سقوط عشرة قتلى، عُدّ خبراً «عادياً» لم تتسابق قنوات التلفزة إلى تغطيته!
كما كان «عادياً» أن يُعثر على جثة متفحّمة في أحد أحياء البلدة أو يُصفّى عامل في محطة بنزين أو يخطف آخرون على أيدي مجموعات مسلّحة ويُقتادون إلى الجرود. وحتى عقب إعلان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر تكليف الأجهزة الأمنية بالتحقيق في الانفجار، لم تتسابق الأجهزة الأمنية، باستثناء عناصر من فرع المعلومات، إلى ساحة الجريمة كما يحصل عادة حين تتناتش في ما بينها على أدلة التحقيق.
الانفجار استهدف تجمّعاً لمشايخ سوريين من أبناء القلمون السوري الذين نزحوا إلى عرسال، وشكّلوا ما يسمى «هيئة علماء القلمون» برئاسة الشيخ عثمان منصور ونائبه الشيخ أبو شامل (الأول أصيب وقُتل الثاني). وألّف هؤلاء قبل نحو سنة «لجنة شرعية» للعناية بشؤون النازحين لحل مشاكلهم وتأمين الإغاثة وقضايا الزواج والطلاق والولادة وغيرها من الشؤون الحياتية اليومية.

المصادر الأمنية:
لا علاقة تربط الهيئة
بـ «النصرة» أو «داعش»

وساهمت الهيئة في التخفيف من معاناة النازحين، ولعبت دوراً بارزاً في حل المشاكل التي تنشأ بين الناس. ويُسجّل لها دورها في استعادة جثمان العسكري علي البزّال الذي أعدمته «جبهة النصرة»، بعدما توسّط مشايخها لدى «أمير النصرة» الشيخ أبو مالك التلي لتسليم الجثمان، «من أجل تخفيف تشديد الجيش اللبناني الحصار على المساعدات التي تأتي إليهم». وبحسب الشيخ مصطفى الحجيري المشهور بـ«أبو طاقية»، في اتصال مع «الأخبار»: «إثر هذه المبادرة، توسّطت الهيئة نفسها لحل ملف العسكريين أكثر من مرة، لكنّها لم توفّق»، علماً بأنه لا توجد لدى الأجهزة الأمنية معلومات عن ضلوع أفراد هذه الهيئة في أي أعمالٍ أمنية. وبحسب المصادر الأمنية، فإن هؤلاء المشايخ «لا يشتغلون بالسياسة أبداً، بل بالشؤون الحياتية للنازحين. ولا علاقة تنظيمية تربطهم بأحد، سواء بالنصرة أو بداعش».
فلماذا استُهدفت هذه المجموعة؟ ومن المتّهم بالتفجير؟ وهل أراد القاتل قطع أي صلة بجهة محايدة يُمكن أن تُشكّل حلّاً محتملاً؟
الإجابة عن هذه الأسئلة حمّالة أوجه، لا سيما أن هناك أكثر من فرضية في هذا الخصوص، فضلاً عن التُّهم المعلّبة للفاعل المفترض الذي يُحدّد تبعاً للعداوة، سواء كان حزب الله أو النظام السوري أو تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يتحمّل وزر كثير من أعمال الاغتيال التي تطال البلدة. هذه الجهات هي التي كالت «صفحات عرسال» على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهام لها عقب وقوع التفجير.
ما مصلحة حزب الله في استهداف هيئة لا ناقة لها ولا جمل في أي عمل أمني ضده؟ تردّ الجهات التي تدور في فلك مسلّحي المعارضة السورية: «الإيقاع بين المجاهدين وأهالي عرسال والنازحين». وفي هذا السياق، تداول هؤلاء رواية تفيد بأن الدراجة التي انفجرت أُدخلت إلى عرسال أمس على متن سيارة من خارج البلدة، ورُكنت هناك. وقد شوهدت السيارة تُغادر البلدة قبل الانفجار بنحو ساعة. ونقلت مصادر مقرّبة من «جبهة النصرة» أن قيادة التنظيم مع عدد من المشايخ فتحوا تحقيقاً في الحادث لتحديد الفاعلين. وأشارت المعلومات إلى أن مرحلة جديدة ستبدأ إن تبيّن أن أحداً من البلدة ضالع في التفجير، كاشفة عن توجّه لـ«بدء تصفية عملاء حزب الله وسرايا المقاومة في عرسال».
من جهة أخرى، يستبعد الشيخ الحجيري أي علاقة للتفجير بملف العسكريين قائلاً: «لا أظن أنّ موضوع العسكريين له الأولوية بالنسبة إلى القتلة، لأن الملف ليس بيد الهيئة أصلاً». أما الأجهزة الأمنية، فتُرجّح أن يكون للأمر علاقة بمجموعات متضررة من عمل الهيئة، واضعة تنظيم «الدولة الإسلامية» في دائرة الاتهام. وإذ نفت المصادر الأمنية فرضية التفجير الانتحاري، ذكرت أن الانفجار ناجم عن دراجة نارية مفخخة كانت مركونة بالقرب من إحدى السيارات قرب مقرّ اجتماع هيئة علماء القلمون، بعدما استُبعدت الفرضية الأولى التي كانت متداولة عن عبوة ناسفة مزروعة داخل سيارة. وفي هذا السياق، ترجّح المصادر احتمالين: «إمّا أن تكون الدراجة مفخّخة لتُفجّر في مكان آخر، انفجرت عن طريق الخطأ. وإمّا أن تكون جهة ما تريد إنهاء الهيئة باستهداف مؤسّسيها»، علماً بأن الهيئة كانت تحصل على بعض التمويل من الكويت وهيئات قطرية. وقد رجّحت المصادر نفسها فرضية أن يكون التفجير سببه تصفية حسابات داخلية للسيطرة على الموارد أو الداعمين. وبذلك، تُبرأ ذمة كلّ من حزب الله وتنظيم «الدولة الإسلامية».