يعتقد العارفون بخفايا الأمور أن الأزمة الحقيقية للأكثرية الحكومية الحالية لا تكمن في اهتزاز الوضع السوري أو الظروف الإقليمية التي عاكست رياحها، ولا في المعارضة التي واتت عواصف الخارج شراعها. ويقولون إن المشكلة الفعلية لا تتمثل في زئبقية وليد جنبلاط ولا في وسطية نجيب ميقاتي ولا في «براغماتية» ميشال سليمان المتنامية باطراد على إيقاع السفيرة الأميركية مورا كونيلّي. مشكلة الأكثرية الحقيقية هي في أن مكوناتها الأساسية باتت في حال صراع كامن، وطلاق غير معلن، وتباينات تلامس الخصومات والاتهامات المتبادلة. أنى أردت، يمكنك أن تبدأ بالجردة، يقول العارفون أنفسهم. لكن نقطة البداية الفضلى ربما، تظل ميشال عون. لأنه هو من شكل الأكثرية الراهنة، إن في إصراره المبكر على تطيير حكومة سعد الدين الحريري قبل أكثر من عامين، أو في تصدره ــ ولو شكلاً ــ «انقلاب» الثلث الضامن من الرابية في كانون الثاني سنة 2011، أو في جسره وتوسطه وتفاعله مع كل القوى المعارضة يومها، التي صارت حكومة في حزيران من العام نفسه. من عون ينطلق محور البحث إذاً، عن أحوال أكثرية يقال إنها ماتت ولم تدفن بعد.
أولى حلقات الأزمات في العلاقات، وأقربها جغرافياً وزمنياً، هي بين الرابية والقوميين؛ فهي لا تزال طازجة على نار فرعية الكورة قبل أسابيع، كما على نار ترشيحات المتن الشمالي وغيره بعد أشهر. أحد المسؤولين القوميين يهمس في مجالسه متوجساً: إذا أكملنا على هذا المنوال، فلا أستبعد أن نصل إلى «الخبيط» عشية الانتخابات. هكذا يلخص المشكلة. لكن أسبابها معقدة ومتشعبة. البعض يقول إن الجنرال بداية لم يهضم القوميين ولا مرة. ربما لم ينس بعد محاولة اغتياله التي قيل إن بعض أفراد الحزب كانوا يُعدّون لها في قبرص لإسقاط طوافته الآتية من بيروت في آذار عام 1989، يوم كان رئيساً للحكومة وفي حرب مفتوحة مع سوريا و«أجهزتها». والبعض يقول أكثر إنه يحمّل أسعد حردان مباشرة مسؤولية تلك المحاولة. وفي السياق نفسه لم ينس المحاولة الشيوعية الأخرى لاغتياله عشية 13 تشرين الأول 1990. مع أنه استقبل فرانسوا حلال، الذي أطلق النار على عون في قصر بعبدا قبل اجتياحه بساعات، وكان بينهما حديث بين قلبين، ومصارحة ومصالحة. لكن تعليق الجنرال الأول على اغتيال جورج حاوي في 21 حزيران 2005 حمل بعضاً من ذلك اللانسيان. تماماً كما «لاعلاقته» بالوريث السياسي لحاوي، رافي مادايان، حتى اليوم. وهي أزمة أخرى مرتبطة بأزمة العلاقة مع الحزب القومي، ولو من باب جناح «قومي» آخر، هو ذاك الذي يمثله ميلاد السبعلي في المتن الشمالي، المتلاقي مع مادايان ومجموعة أخرى ناشطة، تقوم بينها وبين الرابية مسافة لم ينفع في ردمها أي مسعى أو اتصال.
قد يكون السبب أن الجنرال «الجنيفي» في كل حروبه، ينفر من جرائم الحرب ومن مرتكبيها. لكن البعض يضيف أسباباً انتخابية. فهو محاط بمن لا ينفك يذكره بأن وجود القومي على لائحته في المتن هو ما ضمن خرق ابني الجميّل في استحقاقي 2005 و2009. وهو ما جعله يخسر خمسة مقاعد نيابية في الأشرفية. فيما الخريطة الانتخابية القومية الأخرى لا تشكل أي حاجة ماسة أو ملحة له. في بعلبك ــ الهرمل يأخذون مقعداً كاثوليكياً يجب أن يكون للتيار. وكذلك المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون. وفي الكورة، كان هناك من ينظِّر بالقول إن غالبية القوميين باتت من «العونيين». وها هو غسان رزق، أحد أكبر المساهمين في محطة «أو تي في» جاهز لتمثيلهم خير تمثيل. يبقى المتن الشمالي، يمكن تسوية مقعده بنموذج ما بين وزير السياحة فادي عبود أو رئيس بلدية ضهور الشوير إلياس أبو صعب. علماً بأن الحزب القومي يرفض في شكل قاطع احتساب وزير السياحة عليه، فيما يثير أبو صعب لدى كل الحلفاء علامات استفهام ثقيلة تمتد من دبي إلى واشنطن. في المحصلة مشكلة عونية – قومية أولى، مرشحة للتفاعل والتفاقم، لا بل كانت قد ظهرت أكثر من مرة على طاولة مجلس الوزراء المشلول، ولو بتعبيرات مهذبة ومغلفة من أداء علي قانصو. مشكلة لم يكن ينقصها إلا فرعية الكورة الأخيرة، وتقاعس العونيين في دعم المرشح القومي، ليزيد الهمس والغمز بين الطرفين، فضلاً عن نحو 600 ورقة بيضاء ظهرت في صناديق الكورة الخضراء، وتركت أكثر من علامة استفهام على صفحة لم تكن بيضاء أصلاً بين الحليفين.
بالمتابعة شمالاً، تبرز حلقة الأزمة الكامنة الثانية، مع سليمان فرنجية. العلاقة هناك بين الزعيمين والقاعدتين قديمة في ودها. حتى في زمن الصراع الكبير. خبراء الطلاسم الزغرتاوية يقولون إن جذورها تعود إلى الحملة العونية العنيفة التي استهدفت بيت معوض عقب انتخاب رينيه معوض رئيساً لجمهورية الطائف في 5 تشرين الثاني 1989، في ذروة الخلاف مع «رئاسة» عون في بعبدا وحله للمجلس النيابي. مذذاك، وعلى وقع الأهازيج ضد معوض ومجسمات قصر الشعب ضد «الرئيس المعين»، نشأ ودّ بين القاعدتين العونية و«المردية»، على طريقة ردّ الفعل المكتوم. مع عودة الجنرال وتحالف 2005 النيابي توثقت العلاقة وتمتنت. صار رئيس تيار المردة ينظر إلى عون كأب سياسي، يماشيه في كل مواقفه. حتى إنه في ذروة صراعه مع البطريرك صفير قال لوفد من أساقفة بكركي: موقفي من صاحب الغبطة معروف ولن يتغير. لكن إذا أراد الجنرال، يمكنه أن يمسك بيدي ويُصعدني إلى الصرح من دون أن أعترض بكلمة.
ظل الودّ يتراكم إلى أن بدأت تظهر مؤشرات معاكسة. قيل إن العلامة الأولى لاحت بعد اتفاق الدوحة في 21 أيار 2008. يومها تردد أن أهل الرابية لم يهضموا أن الاتصال الأول الذي جاءهم يبلغهم أن انتهت القصة ولنمش بميشال سليمان رئيساً، كان من بنشعي. صحيح أن اللعبة كانت مدروسة من قبل، وهي بدأت لحظة ردّ الجنرال على اتصال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وبالتالي فهي تركيبة كانت قد حازت بدايةً موافقة عون. وصحيح أيضاً أن فرنجية كان أكثر من واجه ميشال سليمان بكلام تشهد على جرأته اليرزة، لكن لحظة الحقيقة في الدوحة ظلت حاملة لمرارة خاصة، على طريقة «حتى أنت يا سليمي...».
بعد الدوحة واتفاقها ونتائجه، بدأت تتراكم طبقة خفيفة من الجليد بين الرابية وبنشعي، ما جعل المنزل الذي استأجره رئيس تيار المردة على بعد أمتار قليلة من منزل الجنرال المستأجر أيضاً، يظل خالياً من حركة البيك طوال أيام السنة. لا يزوره إلا حين يستقبل بعض السفراء. يأتي الممثلون الديبلوماسيون إلى تلك الربوة المتنية، يجولون على الحليفين في غضون أقل من ساعة، ولا يلتقي الحليفان إلا في المناسبات وعند الأزمات الكبرى. عند انطلاق ورشة انتخابات عام 2009، راحت تتباين الآراء في المرشحين بين الأب البرتقالي والابن الأخضر. كان فرنجية يود التعاون في كسروان مع فريد هيكل الخازن، لكن جبالة مار الياس شيدت بين الأخير والرابية جدار فصل أكثر من عنصري. كان فرنجية متأكداً من أن فارس بويز سيكون على لائحة عون. حتى إنه يقال إنه وعد بطل مؤتمر مدريد بذلك، وظل يجزم له حتى آخر لحظة. جاءت اللحظة الأخيرة، فصار وزير الخارجية الأسبق طاووساً مرفوضاً بالنسبة إلى أهل الرابية، وصار نواب عون «صيصاناً» في قفص، ومتآمرين على ولاية رئيس الجمهورية، بالنسبة إلى ابن زوق مكايل ونهاد بيك. الأمر نفسه قيل إنه حصل في أكثر من دائرة. حتى إن فرنجية كان متأكداً أن عون لن يأخذ برأيه في أي مقعد، بل سيذهب أبعد وسيطلب من رئيس المردة الاستئناس برأي الرابية في زغرتا نفسها. عندها بادر رئيس المردة إلى قطع الطريق وأعلن لائحته من طرف واحد، من دون عوني مرشح ولا عون مستشاراً، مؤكداً مع ذلك أنه شكلها بالتفاهم والاتفاق مع الجنرال، الذي سكت عن «الضرب». بعد الانتخابات وعودة فرنجية نائباً، قرر الأخير الانضباط ضمن تكتل التغيير والإصلاح. جاء إلى أول اجتماع. تحدث الجنرال في موضوع. خالفه فرنجية الرأي. بعدها غلط أحد النواب المتنيين وأيد فرنجية، فكانت فشة الخلق من نصيبه. فهم البيك الرسالة، وقرر حرصاً على صداقته وتحالفه مع الجنرال التغيب عن اجتماعات التكتل.
راحت طبقة الجليد المخفي تتراكم أكثر. ولم يكن ينقصها إلا كون الرجلين مارونيين، وأن لهذه الجماعة رئاسة واحدة للجمهورية. ينفي فرنجية الأمر بشدة. لا يزال يجزم بأن عون سيظل أبداً مرشحه الرئاسي الأول. غير أن حاشية الرابية ما انفكوا يتساءلون: لماذا قرر إذن ترشيح ابنه طوني للنيابة؟ هل يعقل أنه قرر اعتزال العمل السياسي؟ وهل ذلك مجرد مصادفة قبل سنة من الاستحقاق الرئاسي؟ كان ذلك طبعاً في زمن الرياح السورية المواتية، ومناخات الانقلاب الكامل على أجواء عام 2005. جاء عام 2011، تبدلت المعطيات بالكامل، ولم تتحسن الاتصالات بين الرابية وبنشعي. لا بل زادتها الأزمة السورية توجساً مكتوماً وتساؤلات من النوع الذي لا يُسأل.
تكمل سلسلة الحلفاء اللدودين مشوارها، لتحطّ في زحلة. هنا تصير الأزمة أكثر خطورة وإقلاقاً للفريق السياسي برمته. فإذا كان الودّ بحاجة إلى ترميم بين عون والقوميين، فإن ذلك لن يؤثر إطلاقاً على النتائج الانتخابية للحليفين في أي دائرة من دوائر تعاونهما. وإذا كانت الحساسية قد باتت ملازمة للربيع العربي على خط الرابية بنشعي، فإن ذلك لا يغير حقيقة محسومة: التيار سيقترع لفرنجية في زغرتا، والمردة سيدعمون مرشحي التغيير والإصلاح أينما كانوا. وإذا كان الطاشناق يشكون بصمت وتململ «اضطهاد العونيين» لهم، من تشكيلات وزارة الثقافة حتى قنصلية لوس أنجلس وما بينهما، فذلك لن يغير موقع الطاشناق ولا تموضع أصواته. لكن المسألة في زحلة مختلفة. هنا أحرز الحريريون أكثريتهم النيابية سنة 2009. وهنا من المرشح أن تتكرر موقعة الحسم بين هوية الأكثرية وهوية الأقلية سنة 2013. ومع ذلك يبدو الحلفاء المفترضون في زحلة في ما يشبه الطلاق المعلن. في الرابية لا يذكر اسم الياس سكاف إلا مقروناً بمحبة ولطف. لكن المرارة ظاهرة في استذكار المراحل الماضية. يقول البرتقاليون إن جنرالهم تخلى عن السلطة بكاملها سنة 2005، من أجل الياس بيك. يومها جاءه الرئيس سعد الحريري مع لائحة من الشروط والبنود. بعد جلسات طويلة من التفاوض الذي يحترفه عون ويمارسه هواية ونهج حياة، تخلى ابن الشهيد عن كل الشروط، إلا واحداً: الياس سكاف لا يكون معنا في الحكومة. والسبب واضح واحد: لأنه كان على خلاف مع «الوالد». ردّ الجنرال كان أكثر حسماً: إما أنا وسكاف، أو لا هو ولا أنا. فرط التفاوض، وأجهضت المحاولة الائتلافية، وارتضى عون الجلوس في المعارضة المحاصرة ثلاث سنوات، كرمى لوفائه لالياس بيك. الأمر نفسه كرره عون في الدوحة وعلى طاولة الحوار وفي حكومة العهد الأولى. لا يساوم الجنرال على حليفه الزحلي. أفهمها للجميع. من يقبل فليتفضل، ومن يمتنع فليقلع.
لكن الأمر لم يستمر على هذه الحال. جاءت خسارة انتخابات عام 2009، لتجسد معادلة أن القلة تولد النقار. بعدها جاءت بلديات 2010، لتؤكد أن المشكلة أكبر من قصة بلدية. فهي إشكالية زعامة، وحساسيات مذهبية ضمن الطائفة الواحدة، وطبائع شخصية، وندرة إمكانات مالية، ومحاولة تجنب خسارة متكررة، وكل ذلك مجتمعاً ومختلطاً وأكثر.
عند زيارة الجنرال الأخيرة لعاصمة البقاع قبل أسابيع، تكررت المحاولة للمصالحة وإرساء لائحة الفريق الواحد. خطوة ضرورية للفوز في زحلة، وللفوز في لبنان. جرى ترتيب لقاء على طاولة المطران درويش، يحضره صاحب الدعوة وضيف المدينة المميز، وركنا كاثوليكيتها، سكاف والوزير نقولا فتوش. فجأة أطل اسم رجل الأعمال وديع العبسي مدعواً، وبعده «زميله» ميشال ضاهر. صارت المليارات أكثر وزناً من الزعامات، فاحترقت الطبخة. حاول سعاة الخير استلحاقها: يمرّ عون على مكتب سكاف في مقابل المطرانية، يشرب فنجان قهوة ويترافقان إلى حيث حاول سمير جعجع تفجير مجموعة من رفاقه قبل ربع قرن. فشل المسعى أيضاً. أما السبب فحسابات محدودة. يقال إن جماعة سكاف يروجون لمرشح عوني غير ماروني، وتحديداً أرثوذكسي، هو غابي ليون في مناورة «ملعوبة» تيارياً وعائلياً، في مقابل حصول سكاف على المقعد الماروني. وهو ما ردّ عليه عونيو زحلة بتظهير كاثوليكيين «مليئين»، العبسي وضاهر. فهم الياس بيك وقلب الطاولة، واستأنف لقاءاته مع فؤاد السنيورة. لكن هل يعقل تطيير انتخابات زحلة 2013 وأكثرية مجلس ذلك الاستحقاق، لأسباب من هذا النوع؟ تكمل دائرة الحلفاء المأزومين دورتها، لتحطّ في بيروت، بنجمتها وضاحيتها، حيث الإشكاليتان الأكثر تعقيداً ومصيرية.
مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الفتور قديم. يقول البعض إن زمنه يعود إلى ما قبل المنفى، ومواقف رئيس حركة أمل في النصف الثاني من الثمانينيات، بالتجني على قائد الجيش ميشال عون في حينه، والغمز من قناة تسهيله لتطرف سمير جعجع، خدمة لنظرية «ويبقى الجيش هو الحل»، حتى اتهامه ذات مرة بأنه في عهد عون «اجتاحت القوات اللبنانية الجيش». منذ التسعينيات وحتى التفاهم بين عون وحزب الله في 6 شباط 2006، لم تعرف العلاقة أي حرارة في أي حقبة كانت. بعد وثيقة مار مخايل صار الاثنان في فريق سياسي واحد. لكنهما اعتبرا نفسيهما في حال تحالف بالقياس، أو بالواسطة، وفق القاعدة الشهيرة التي ارتاح إليها الرجلان: «حليف حليفي». لكن على مدى ستة أعوام كانت المناوشات بلا تقطع: اقتراحات عون حول مشاريع القوانين يقال إنها تنام في أدراج المجلس، أمانة سر رئاسة أو لجاناً أو هيئة عامة. الانتخابات النقابية غالباً ما تظهر تبايناً، وفي حالات التقاطع تبرز اتهامات التشطيب والطعن بالظهر. وصولاً إلى حوادث الاشتباك المباشر: جزين سنة 2009، طرح بري تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وانقضاض عون عليه، قانون النفط والصراع على هيئة إدارة القطاع، شربل نحاس ومعاركه من صندوق الضمان «البري» والاتحاد «الأملي» العام إلى كل التعيينات الإدارية في القطاع العام، وصولاً حتى انفجار قضية المياومين. مرة يتيمة ترطبت العلاقة بين الرجلين. حين جمعهما الملياردير جيلبيرت الشاغوري إلى غداء عين التينة، وللمصادفة كان جامعهما أحد أبرز العاملين في قطاع النفط دولياً. نتج من الغداء إقرار ما سمي التفعيل الحكومي، الذي لم يعش إلا أياماً معدودة، فيما العارفون يهمسون أن في إشكالية النفط أسراراً كبيرة وخطيرة، قد تتكشف في وقت قريب جداً.
المهم أنه في الرابية يحكى عن همس من نوع أن «خيار بري الأساسي ليس معنا، ولا حتى مع التفاهم الذي وقعناه مع حزب الله. خياره الدائم هو إحياء تحالف رباعي جديد، الآن أو بعد تبدل أحوال الشام. فالدولة التي يهواها ويستطيب هواها هي نفسها دولة الحريري وجنبلاط، التي عايشها عقداً ونصفاً، واعتاش منها وعيشته. أي شيء من اللادولة. تريدون دليلاً على ذلك؟ اقرأوا ماذا قال عنا في وثائق ويكيليكس، ولو كان نشرها «محظوراً»، تظل قراءتها ممكنة».
في المقابل، يروى أن في عين التينة الاتهام مقلوب: يقال إنه بعد أحداث سوريا واهتزاز أوضاعها، يبدو أن هناك حول الجنرال من يحاول شراء «بوليصة تأمين» سياسية لما يتوقعونه من تطورات إقليمية. نوع من إعادة تموضع، تحسباً لأي تقاطع دولي يكرر لحظة 13 تشرين الأول 1990. ويقال إن في عين التينة من يفكر: لكن فليشتروا بوليصتهم من غير حسابنا، ولا بالتشاطر علينا. أكثر من ذلك، تتحدث أوساط قريبة من عين التينة عن نواب ووزراء على طاولة الرابية، يصفونهم بأنهم من جماعات السفارات. بدليل وثائق ويكيليكس أيضاً. يسمونهم، ويسمون سفاراتهم. ويغمزون من قناة دور أساسي لأحدهم في تخريب العلاقة مع «الجنرال الآدمي والطيب». لا بل إن البعض الآخر يستفيض في الكلام على المجموعة المالية في الرابية، أسماءً وأرقاماً وعلامات استفهام كبيرة، مع أنهم يضعون الجنرال دائماً فوق كل ذلك وفوق كل هؤلاء. حتى يكادون يقولون ببسمة: علينا إنقاذ الجنرال من بعض مدعي ولائه.
تبقى العلاقة مع الحليف الأقوى: حزب الله، وتلك حكاية أخرى.