لجونية تاريخ طويل من الصراعات العائليّة. تحتلّ قوّتان أساسيتان الواجهة، الأولى متمثّلة بجوان حبيش والثانية بآل افرام، بتحالفهما أو منافستهما للقوى العائليّة والحزبيّة الأخرى. عام 2010 خيضت حربٌ وُصفت بالكونيّة ضدّ حبيش. دعمت الأحزاب والأطراف كافة آل افرام في الانتخابات البلديّة، فتمكّنوا من الفوز منتجين مجلساً منوّعاً، الرئاسة فيه لأنطوان افرام والأعضاء السبعة عشرة الباقين وُزعوا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وفارس بويز ومنصور البون، إضافة إلى عضو محسوب على الأخير وعلى قائد الجيش جان قهوجي.
اليوم لا توحي المعركة بأن موازين القوى باقية على حالها، فلا في السياسة حافظ آل افرام على حلفائهم، ولا في الإنماء والتنميّة نجحوا في نهضة جونية التي وعدوا بتحويلها إلى موناكو الشرق.

رئاسة شكليّة


بعد فوز أنطوان افرام برأس البلديّة، فوّض نائبه فؤاد البواري، عضو البلدية منذ عام 1998، كلّ الأمور الإداريّة. غاب افرام عن بلديته، مجيّراً إياها إدارياً لنائبه وسلّمه ختمه. ظنّ آل افرام أنه يمكنهم إدارة جونية كما لو كانت واحدة من شركاتهم الخاصّة.
البواري، المحسوب على النائب السابق منصور البون، هو المرجع الأوّل والحاكم الفعلي للبلديّة والمُمسك بكل مفاصلها. يتميّز بحنكته وذكائه، يُوصف بـ "لولب" البلديّة، وكلّ الوافدين إليها يتوجّهون إلى مكتبه لتيسير معاملاتهم وأمورهم، وهو يخدمهم كرمى لـ"الشيخ منصور"، ويليه في التراتبيّة مجموعة من الأعضاء، كلٌّ منهم ديك على لجنته.
يشكو أعضاء من فلتان في البلدية، ويردّدون "البلدية سايبة، والريّس مش بعينو (باعتبار أنه لم يتقاضَ يوماً راتبه كرئيس بلدية)، مسافر، وما معو خبر شي". أما افرام فيؤكّد لـ"الأخبار" أن غيابه كان محدوداً.
لا يرى افرام في "حكم البواري" تعدّياً على موقعه طالما الرئاسة له. لا ينكر وجود رؤوس في بلديّته طالما يبقى هو الرأس الشكلي لها. يجزم بأن العلاقة بينهما قائمة على "تعاون مخلص وتقاسم للأدوار وتوزيع للمسؤوليّات". لا ينفي تفويضه بالتوقيع عنه وبصلاحيّات إداريّة واسعة طالما يحصر إقرار المشاريع الكبرى بشخصه. مشكلات كثيرة طبعت السنوات الست الماضية، اتهامات متبادلة بين الأعضاء أشبه بـ"نشر الغسيل الوسخ" يراها افرام صحيّة وضمانة لمبدأ التنوّع وتعدّد الأراء.

فوضى بالجملة والمفرّق

لا ينكر أحد أن جونية شهدت أعمالاً كثيرة في عهد أنطوان افرام، لكن غياب الرئيس وفوضى الأعضاء انعكسا على شفافيّة الأعمال، وأخرجا إلى العلن مشكلات عدّة ينفيها افرام جملة وتفصيلاً مفاخراً بإنجازات عهده، وأولها "المحافظة على وحدة المجلس البلديّ"، غامزاً من قناة سلفه، جوان حبيش، الذي شهد عهده استقالات وخلافات.
بداية التجاوزات مع لجنة الشراء التي لوحظ ورود أسعار غير دقيقة فيها مُقدّمة من شركات غير متخصّصة للقيام بالأعمال المطلوبة، وتبيّن للمراقب المالي غياب عنصر المنافسة وقبول عروض خلافاً لموضوع الشراء، فأصدر تعميماً بمثابة إنذار إلى البلديّة، ثم وجّه إنذاراً آخر منذ أسبوع طالباً الإعلان عن المناقصات بصورة قانونية. ثانياً تنفيذ الأشغال والأعمال وفق نظام التجزئة، وعلى مرّات عدّة، ما سبّب هدراً في صندوق البلديّة مثل تنفيذ حمّامات عامّة في جونيّة سنوياً، وتغيير مسار الطرقات وتزفيتها مرّات عدّة. ثالثاً وجود علامات استفهام حول تلزيم المهرجانات سنوياً لشركة ICE التي يملكها شادي فيّاض، شقيق فادي فيّاض الموظّف لدى آل افرام ومرشّحهم لرئاسة المجلس البلدي، من دون استفادة البلدية من الأرباح، لا بل اضطرارها إلى المساهمة بمبلغ 150 مليون ليرة سنوياً لشراء بطاقات دخول إلى المهرجانات. رابعاً اعتراض عناصر الشرطة على حرمانهم مستحقاتهم وترقياتهم، بعد تعيين عميد متقاعد (والد زوجة ابن أنطوان افرام) رئيساً للشرطة وإقصاء المفوّض عن موقعه وتحويله سائقاً للريّس. خامساً تنفيذ عقد بالتراضي مع شركة سوكلين لأعمال الكناسة في جونية. سادساً عقد مناقصات ببنود ناقصة، مثل تلزيم شركة "طعمة" تشجير المستديرات في المدينة بمبلغ 450 مليون ليرة، من دون ورود كلّ الأماكن ضمن دفتر الشروط ما رتّب على البلدية فواتير بقيمة 230 مليون ليرة إضافيّة لتشجيرها.
غاب افرام عن
بلديته مجيّراً
إياها إدارياً لنائبه
وسلّمه «ختمه»


بين افرام وحبيش والتيار


عند الحديث عن آل افرام، تبرز أسماء كثيرة، لكلّ منها أهواؤها السياسيّة، لكن في النهاية المصلحة الاقتصاديّة تعلو فوق كلّ شيء. يختلفون علناً، لكن عند اتخاذ القرار يجتمعون في غرفة مغلقة، ويخرجون بقرار موحّد يحافظ على مصالحهم الاقتصاديّة مع دول الخليج ووجودهم السياسي في كسروان، خاذلين كلّ من علّق عليهم آمالاً.
في 2005 دعم نعمة افرام معركة "التيار الوطنيّ الحرّ" الانتخابيّة، لكنه سرعان ما أمال الدّفة. مع بداية عهد ميشال سليمان عنّت الوزارة على باله. رفض عون طلبه لعلمه بعدم قدرته على الالتزام بقرارات حزبيّة حسّاسة، وأعطاه في المقابل جمعيّة الصناعيين والرابطة المارونيّة من دون شروط، وكذلك فعل في انتخابات بلدية جونية 2010، إلى أن بدأ المأزق بعد أسابيع في انتخابات اتحاد البلديات التي قدّمها افرام لنهاد نوفل من دون الأخذ بآمال الرابية التغييريّة، وأتبعها بدعم حركة "المناضلين الأحرار" برئاسة العميدين طوني أبي سمرا وجورج نادر اللذين انقطعت زياراتهما إلى الرابية.
في مقابل نعمة افرام يبرز خصم لدود، كان يوماً صديقاً مقّرباً له. إنه جوان حبيش الذي يردّد في جلساته الخاصّة أن "نعمة هو أخي الذي اغتالني سياسياً"، والسبب بلدية جونية ومن يكون "ريّسها". عام 1997 بدأ التحضير لها، وخاض حبيش المعركة في وجه عادل أبو كرم المدعوم من آل افرام وخسرها، ليردّ اعتباره عام 2004، قبل أن يخسر مجدّداً عام 2010 في وجه تحالف افرام وكلّ القوى السياسيّة والعائلات في جونية. يؤخذ على حبيش أنه "فجّ" ولا يساوم، يحصر كلّ القرارات بنفسه ولا يعطي ختمه لأحد، ما ولّد صراعات في مجلسه أدّت إلى استقالة ستة من أعضائه.
في جونية حالة من التململ من الأداء البلدي، هناك قناعة لدى أبناء المدينة بأن المشاريع والرؤية مجرّد كليشيهات لزوم الانتخابات وحملاتها الإعلاميّة.

خريطة التحالفات


تحالفات 2010 ليست نفسها في 2016. في جونية ثلاث قوى أساسيّة، افرام وحبيش والتيار الوطني الحرّ، ولمنصور البون وفريد الخازن حيثيتاهما الانتخابيّة. عدد ناخبي البلدة يبلغ نحو 16 ألفاً، يقترع منهم نحو 10 آلاف، في انتخابات 2010 نال حبيش وحيداً 43% منهم. لجونية أهمّية قصوى وانتخاباتها مرتبطة برئاسة الاتحاد. توليها الرابية اهتماماً خاصاً، ويتابع العميد شامل روكز أدقّ تفاصيلها. لكنه يحصر دوره، حتى الآن، في محاولة التوصل إلى لائحة توافقية. حبيش يريدها معركة ردّ اعتباره ومدخلاً لترؤس اتحاد بلديات كسروان، وآل افرام لن يتنازلوا عمّا يعتبرونه حقاً مكتسباً لهم.
أبرز المتنافسين حالياً، هم جوان حبيش الذي يملك شعبيّته ودعم "التيار الوطني الحرّ" الذي أحبط من مواقف نعمة افرام مراراً؛ وفادي فيّاض الذي يطرحه افرام توافقياً وهو مقرّب من القوات التي لم تحسم أمرها بعد، علماً أن الناطق الكسرواني باسمها شوقي الدكّاش مقرّب من آل افرام أيضاً؛ وفؤاد البواري المتوقّع انسحابه عاجلاً أم آجلاً، والمدعوم من فريد الخازن ومنصور البون الذي يناور من خلاله ويجري مفاوضات مع حبيش والتيّار، ليحصد ما أمكنه من أعضاء في البلديّة، وليحجز مكاناً في النيابة بعد إزاحة حبيش عن خوضها. الصورة تتجه أكثر فأكثر صوب الوضوح. أسهم التوافق تنخفض. وفي حال سقوطه نهائياً، ستشهد جونية أمّ المعارك البلديّة المرتقبة في جبل لبنان.




نوفل في الرابية: مصالحة «تاريخية»!

بعد أعوام من الخلافات الحادّة بين رئيس بلدية زوق مكايل نهاد نوفل والتيار الوطني الحرّ، يزور نوفل، اليوم، العماد ميشال عون في الرابية في مصالحة توصف بأنها «تاريخية»، خصوصاً أن «الريّس» وقف في وجه عون في كسروان، وحاربه في الانتخابات النيابية والبلدية منذ عام ٢٠١٠.
وتأتي هذه الزيارة عشية الانتخابات البلديّة المزمع إجراؤها في 15 أيار المقبل، والتي حسم التيار أمره فيها من خلال التحالف مع المرشّح لرئاسة البلدية إيلي بعينو المدعوم من نوفل (نائبه حالياً) في وجه وفيق طراد المرشّح المنافس.