وأخيراً، أيقن الرئيس سعد الحريري أنّ «التوترة» فشلت. اكتشف فريقه هذا الأمر قبل أيام، فتقرّر العودة إلى الناس. فجأة، زال الهاجس الأمني الذي تحاجج به تيار المستقبل وحلفاؤه طوال العام الماضي لعدم إحياء نشاطاتهم في الشارع. وعلى حين غرّة، لم يعد اعتبار توتّر الوضع السياسي يقف في وجه إعداد المستقبليين وقوى 14 آذار لنشاطات في الساحات.
يقف تيار المستقبل على بعد أيام من عودته إلى الشارع. متى؟ في ذكرى «اليوم المجيد»، 7 أيار، ولو بدعوة مموّهة بعنوان «دعم الشعب السوري». فالعودة ستكون في 6 أيار المقبل، أي في يوم عيد الشهداء، في مهرجان قرب ضريح الرئيس رفيق الحريري. وكلّف الشيخ سعد مساعد الأمين العام لتيار المستقبل، صالح فروخ، الإعداد لهذه المناسبة.
موعد المهرجان أثار الكثير من التساؤلات: لماذا تمويه الدعوة زمنياً وجعلها في 6 أيار، لا في 7 أيار؟ لماذا العنوان دعم الشعب السوري بدل الاحتجاج على «اجتياح مسلحي حزب الله العاصمة»؟
في إجابات بعض المستقبليين صراحة تؤكد أن اختيار يوم 6 أيار مرتبط بكونه يوم عطلة (يوم أحد)، وثمة خشية من أن يضيع الحدث في بداية أسبوع من العمل. أما العنوان فمرتبط بكون الحدث السوري اليوم يمثل الأولوية لجمهور التيار، حتى على حساب 7 أيار. لكن اللافت يبقى، بحسب مسؤولين في التيار الأزرق، أن الحريري قرر التمهيد لحملته الانتخابية بشعارات تركز على الخصومة مع حزب الله وسلاحه.
في مكاتب وصالونات تيار المستقبل، جلس مسؤولون وناشطون يسألون عن خيار القيادة التحرّك بعد أسبوع من اليوم. عرضوا في نقاشاتهم أبرز المحطات التي توقفت عندها الحياة السياسية منذ أكثر من عامين: الفوز في الانتخابات النيابية وفرض اتفاق الدوحة على نتائجها وتشكيل الحكومة، «الانقلاب» على الحريري وإخراجه من السلطة، تشكيل حكومة الممانعة، الربيع العربي وأهم ما فيه الأزمة في شوارع سوريا.
أمام كل هذه التطوّرات، لم يحرّك تيار المستقبل ساكناً. لم يعدّل أي سطر في خطابه السياسي ولم يجر أي تغيير على أسلوبه في التعبير عن خطابه. مهرجانات ذكرى 14 شباط وآذار؟ أهلاً بنشاطات القاعة وصفصفة الكراسي وحشر «المثقفين» بعضهم فوق بعض. مهرجان عيد الاستقلال في طرابلس؟ حين عجز تيار المستقبل عن استقدام «خزّانه البشري» في الشمال، عكار وطرابلس والضنية، إلى مجمّع رشيد كرامي. وثائق البريستول؟ غزارة في صياغة النصوص وحرفنة في اختيار عباراتها، نصوص ووثائق ومشاريع سياسية لا تصريف لها سوى بتعليقها على حيطان مكاتب قياديي 14 آذار. «يوم الغضب» احتجاجاً على إطاحة الرئيس من رئاسة الحكومة؟ هنا الفشل بعينه، لم يصمد المحتجون إلا ساعات في طرابلس وبيروت، أشعلوا خلالها الإطارات وقطعوا الطرقات. انسحبوا وعاد كلٌ منهم ليفتح باب رزقه، فاتحين الطريق أمام حكومة «الانقلاب».
لماذا إذاً التحرّك في الشارع اليوم؟ أغرب التفسيرات قد تأتي على لسان أحد مسؤولي التيار، إذ قال الآتي: «رأت قوى 14 آذار في استمرار قتل المدنيين السوريين، في ظل دخول المراقبين الدوليين إلى سوريا، إشارات إلى أنّ الوضع في سوريا سيبقى على هذه الحال دون أي تدخل أو ردع للنظام السوري. وأنّ النظام باقٍ ولو إلى حين، وبالتالي باتت القيادة السورية الرسمية مرتاحة أكثر من الأسابيع الماضية، ولذلك لن تقدم هذه القيادة على أي فعل تتعرّض فيه للمعارضين في لبنان ولقوى 14 آذار، فبات بإمكان المعارضة اللبنانية التحرّك ميدانياً».
في التفسير الرسمي لمسؤولي التيار، يؤكد هؤلاء أنّ القيادة لا ترى في مهرجان 6 أيار تحركاً شعبياً. كيف ذلك؟ إنه «نشاط سياسي مقصود في تدعيم الموقف السياسي للتيار». نشاط يشارك فيه الناس ويرفعون الأعلام ويهتفون بروح الرئيس الحريري. إذاً كيف لا يكون تحركاً شعبياً؟ مع العلم بأنه لدى تبليغ صالح فروخ بالتحضير للمهرجان، جرى التأكيد له أن يكون سقف الحضور 3500 شخص، واقتصار الحضور على العاصمة بيروت.
يظهر من موقف المستقبليين أنّ القيادة تخشى، حتى الساعة، الاعتراف بأنّ ما تنوي تنظيمه حركة شعبية، والأمر يحمل اعتبارين: أولاً، لا يريد المستقبليون الاعتراف بذلك لإنه في حال الفشل بحشد الناس، تكون الضربة قاسية لهم على صعيد الدعم الشعبي للتيار. ثانياً، لا تزال عبارة «الشارع» تثير القلق في نفوس المستقبليين، باعتبار أنهم غير مقتنعين بتوقيت التحرّك وظروفه.
وفي التحضيرات، يتوقف مسؤولو المستقبل أمام «التفاصيل التقنية لتمكين الرئيس الحريري من إلقاء كلمته عبر شاشة من أمام الضريح». هذه الكلمة ستكون «المادة السياسية الرئيسية في المهرجان».
عدم وضع تحرّك 6 أيار في إطار العودة إلى الشارع يدفع المستقبليين إلى التعامل معه وكأنه أي نشاط آخر جرى إحياؤه في الأسبوع الماضي، تحت عنوان «دعم الشعب السوري». مشاركة الرئيس الحريري في المهرجان المقبل لن تعدّل شيئاً في تعامل القيادة الزرقاء، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام، داخل التيار نفسه، عن القدرات التنظيمية لهذه القيادة وأسلوب عملها. فربما يمرّ 6 أيار كالنشاط الذي نظمته منسقية بيروت في تيار المستقبل، مساء أول من أمس، في باحة تعاونية صبرا الاستهلاكية في منطقة أرض جلول ـــ الطريق الجديدة. بدل الأمين العام للتيار، أحمد الحريري، سيتحدث سعد الحريري، وبدل النائب عمار حوري ستكون كلمة أو اثنتين لحلفاء التيار.
في مهرجان 6 أيار قطبة مخفيّة. من يكتشف كيف توصّل فريق مستشاري الرئيس الحريري إلى هذه الصيغة بعد طول صمت وابتعاد عن خيار الشارع، يعرف أنّ تيار المستقبل بحاجة إلى ماكينة خياطة، لا إلى إبرة وخيط.