فيما يواصل الجيش ملاحقة مسلحي الشيخ أحمد الأسير في صيدا والتحضير لمسح أضرار الأحداث الأخيرة في صيدا، تواصلت المواقف الداعمة للجيش والرافضة لتسييس الأحداث المذكورة. وفي حين أكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان ثقته بقيادة الجيش، نفت القيادة أن يكون قائد الجيش العماد جان قهوجي وضع استقالته بتصرف سليمان في حال لم يتم السماح للجيش باقتحام المربع الأمني للمسلحين في منطقة عبرا.
وأشارت إلى أن سليمان «أعرب عن ثقته الكاملة بالمؤسسة العسكرية وقيادتها، وعن دعمه لجميع الإجراءات الأمنية التي سيتخذها الجيش للرد على اعتداء المسلحين وإعادة فرض الأمن والاستقرار في المنطقة المذكورة».
بدوره، أكد سليمان في كلمة وجهها إلى العسكريين أن القيادة العسكرية وعلى رأسها العماد قهوجي «يحوزون ثقة رئيس الجمهورية والحكومة في آن، وانطلاقاً من هذه الثقة، فإنّ الغطاء والقرار السياسيّين أعطيا لهذه القيادة منذ أول حادثة تعرض لها الجيش والوطن».
من جهة أخرى، توقف العمل في السرايا الحكومية أمس لمدة ساعة حداداً على أرواح شهداء الجيش الذين سقطوا في صيدا. ثم عقد رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي سلسلة اجتماعات أمنية وإدارية لمعالجة تداعيات الأحداث الأخيرة، ولا سيما موضوع مسح الأضرار. وأجرى اتصالاً برئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل.
من جهته، رد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون بعد اجتماع التكتل على كلام الرئيس سعد الحريري على التمديد لقهوجي وقال: «تضحيات الجيش لا تُقرّش بالتمديد ونحن ضد التمديد بالمطلق ولا نريد أن «نخربط» تراتبية الجيش». وأضاف: «نحن أولى من الحريري وأي حزب آخر بإعطاء رأينا بقيادة الجيش»، مشيراً إلى «أننا نحن من نمثل المسيحيين في الحكومة ولا أحد غيرنا».
وعما إذا كان مرشحه لقيادة الجيش قائد المغاوير شامل روكز، قال عون: «من المبكر حتى أيلول لتعيين قائد الجيش».
وأشار عون إلى أنه لو كان قاضي تحقيق «لاستدعيت وزير الداخلية مروان شربل وسألته لماذا قال ما قاله ومن هو الأكبر من الوطن؟ عليه إعلام الشعب اللبناني بما يجري».
وردّ الحريري على عون، مشيراً إلى أن الجيش «هو لكل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، وقيادة الجيش تختزل هذا المفهوم الوطني منذ تأسيس الجيش، ولا يجوز لأي فريق سياسي أو طائفي أن يدعي احتكار ذلك». وأكد أننا «أعلنا وقوفنا مع الجيش قولاً وعملاً، وأعطيناه الغطاء الكامل للضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الدولة وتهديد السلم الوطني. فحبذا لو فعل عون نفس الشيء عندما تعرض الجيش للاعتداء على يد حليفك حزب الله في مار مخايل أو بعد حادثة الطوافة واستشهاد الضابط سامر حنا».
وفي السياق نفسه، استمر مسؤولو تيار المستقبل ونوابه بالابتعاد عن أي إدانة واضحة لظاهرة الشيخ أحمد الأسير، مكتفين بالكلام العام المؤيد للجيش. وفي هذا الإطار، دانت كتلة المستقبل بعد اجتماعها الأسبوعي الدوري استثنائياً في منزل الرئيس الراحل رفيق الحريري في مجدليون، «أي اعتداءٍ على الجيش اللبناني لأي سبب كان ومن أي جهة أتى». وأكدت «أنها لم ولن تكون في أي وقت من الأوقات إلا في الموقف المنحاز لخيارات الدولة والشرعية المتمثلة بمؤسساتها عموماً وبالمؤسسة العسكرية خصوصاً، على أساس أدائها لدورها ومسؤوليتها في حماية الوطن والمواطنين».
من جهتها، كررت النائبة بهية الحريري أن السلاح داخل صيدا «باسم المقاومة وسرايا المقاومة غير مقبول ولن نسمح ببقائه على مساحة الأرض اللبنانية، ولا نريد وجوداً لسرايا المقاومة في صيدا».
فضل الله: الأسير أطلق النار علينا وعلى الجيش
في المقابل، أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله في حديث إلى قناة «أو تي في» ضمن برنامج «بلا حصانة» أن ما حصل في صيدا «ليس موضوع شقق ولا علاقة له بوجود معين، بل مرتبط بمشروع كبير»، لافتاً الى أن «المشروع الذي كان يحضّر له أحمد الأسير ووجد حاضنة سياسية له من تيار المستقبل، يجر البلد في النهاية الى فتنة».
وأوضح أن «هناك شقة واحدة (لنا في عبرا) ونحن موجودون فيها كمراكز كل القوى السياسية في لبنان، ثم أقام الأسير مسجداً في المنطقة وبدأ يفتش عن مشكلة مع حزب الله».
وقال: «كما قُتل عناصر من الجيش، نحن استُهدفنا أيضاً وسقط لنا إصابات في الهجوم ظهر الأحد فيما كنا ندافع عن أنفسنا بحدود الضرورة القصوى ولم نشارك بالعملية العسكرية التي نفذها الجيش ولم نكن في المربع الأمني للأسير».
وأكد أن النائبة الحريري «ليست مستهدفة منا، ويهمنا أن نحافظ على العلاقات مع الفاعليات بالمنطقة ونحن لم نطلق النار على منازل أحد».
في المقابل، طالبت الجماعة الإسلامية بـ«إنهاء كل مظاهر السلاح وما يسمى سرايا المقاومة»، رافضة «ممارسات حزب الله في مداهمة بعض الشقق السكنية، ومحاولة استثمار ما جرى». الرئيس فؤاد السنيورة، خلال تفقده أرض المعركة في عبرا، حيّا تضحيات الجيش، لكنه اعتبر أنه «لا يمكن إنهاء حالة الأسير من جهة والسكوت عن مخالفات كبرى للقانون بوجود شقق أمنية مخالفة هنا وهناك».
من جهته، عقد النائب السابق أسامة سعد مؤتمراً صحافياً للتهنئة بالسلامة «بعد زوال الغيمة السوداء عن أجواء صيدا والانتهاء من الحالة الشاذة التي نغّصت حياتها، وألحقت بها الأضرار الفادحة، وكادت أن تتسبب بتفجير الأوضاع ليس في صيدا فحسب، بل في لبنان كله».
وبين هذا وذاك، زار وزير الداخلية مروان شربل صيدا أمس وترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الفرعي وتفقد عبرا. بعد سماع تصريحه لوسائل الإعلام ولوحدات الجيش المنتشرة ميدانياً، يكاد المرء ينسى بأن شربل الآتي للاحتفال بزوال الأسير وضبط الأمن، كان من أبرز المساهمين في تطوره ووصول المنطقة إلى هذه المرحلة، بدءاً من مفاوضته لإنهاء اعتصامه المفتوح، مروراً بتسامحه مع اعتدائه على حاجز للقوى الأمنية، وصولاً إلى التغاضي عن إجراءاته الأمنية والسماح له باستحداث الخيمة التي أخفى تحتها مخازن السلاح وشتم من على منبرها الدولة بمن فيها. وفي مؤتمر صحافي، كشف شربل أن الأسير «غادر صيدا قبل وصول الجيش إلى المنطقة بعدما شعر بأن الموسى وصل الى لحيته»، واعداً بإصدار مذكرات توقيف بحق كل المتورطين والمحرضين على الجيش وسيقوم القضاء اللبناني بكامل واجباته.
دولياً، دانت وزارة الخارجية الروسية قيام «جماعات متطرفة مسلحة بمحاولة تمرد في مدينة صيدا وشنها هجمات استهدفت مواقع للجيش اللبناني». وحذرت من «محاولات المتطرفين في سوريا والمرتبطين بتنظيم القاعدة لتعميم الفوضى والعنف في الدول المجاورة». ودعت الى ملاحقة المتورطين في هذه الأعمال ومعاقبتهم.
كما دانت الولايات المتحدة «الهجمات التي يشنها مسلحون ضد القوات المسلحة اللبنانية». وأكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة «بمواصلة توفير التدريب والمعدات لمساعدة قوات الأمن في دورها الحاسم للحفاظ على وحدة لبنان». ولفتت الى أنه «هذا هو الوقت للمجتمع الدولي للوقوف مع لبنان وقادته، وذلك للدفاع عن مصالح الشعب اللبناني لدولة مستقرة وذات سيادة». وجددت تحذير مواطنيها من السفر الى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية في البلاد.
واعتبر مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان أن «لبنان في حاجة ماسّة إلى الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، نظراً إلى الوضع الذي تمرّ به المنطقة».