الشيخ ماهر حمود*

إن المأساة التي نعيش، مأساة الفتنة المذهبية المرشحة لأن تأكل الأخضر واليابس، سببها الانفصام بين الماضي والحاضر، أو بين العقيدة والسياسة، أو بين النص والتطبيق، الخ...
عندما ترى، مثلاً، شباباً متحمسين لحزب الله وبطولاته، يعزّ عليهم أن توجه الإهانات إلى سيد المقاومة ورمزها وبطلها السيد حسن نصرالله، ثم وللأسف الشديد يعبرون عن ذلك بشتم الصحابة الكرام والإساءة إلى أبطال الإسلام الذين اقتحموا الصعاب ونشروا الإسلام وأذلوا الكفر والنفاق والطواغيت، وعلى رأس أولئك الصحابة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وعندما ترى في المقابل "عقلاء" من علماء السنة يشهد لهم بالاطلاع على حقائق الإسلام ومبادئه من أوسع الأبواب، كما نرى قادة وسياسيين يحملون تجربة لا بأس بها في فهم توازنات العالم المعاصر، نرى هؤلاء وهؤلاء عاجزين عن فهم المقاومة وإنجازاتها وبطولاتها واستراتيجيتها المميزة، بل ويعملون على الإساءة للمقاومة ولمحورها وذلك بالارتكاز على الأكاذيب والافتراضات، وينفقون من أجل ذلك المبالغ الطائلة بل ويصدقون الأوهام ويبنون عليها ويكذبون الوقائع الملموسة ويجحدونها، نصاب بالذهول".
السؤال الكبير هو: لماذا يعجز جمهور المقاومة أو بعض هذا الجمهور عن فهم تاريخ الإسلام، كما يعجز عن فهم دور حزب الله والمقاومة، هذا الدور المرشح، ولو بعد حين، لاستقطاب العالم الإسلامي كله، وهو استقطاب سيكون أوسع بكثير مما حصل بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 بإذن الله، هذا الاستقطاب الذي لا يمكن أن يحصل من دون مزاوجة الماضي بالحاضر وحقائق التاريخ بحقائق الحاضر.
هذا الجمهور يسيء إلى حزب الله ويجعله محاصراً بالمذهبية الضيقة والانحسار إلى دور محدود بالجغرافيا والانتماء المذهبي، ويعطي للمغرضين ذريعة يتطاولون بها على المقاومة، فهو مخطئ بحق المقاومة ودورها أكثر بكثير مما هو مخطئ بحق السنة وجمهور السنة، الخ...
ومن حقنا أن نتساءل بحرقة: لماذا هذا الانفصام؟ لماذا يفهم الشيعة الواقع المعاصر ويتعاملون معه وفق مبادئ الإسلام الحنيف وأبعد من التصنيفات المذهبية، فيما يعجزون عن فهم الماضي ويعجزون عن فهم بقية المسلمين وتنوع الانتماءات القومية وكيفية التعامل معهم.
بالمقابل، لماذا يعجز قادة السنة والعلماء الجهابذة عن فهم دور المقاومة وإيجابياتها المميزة التي تتجاوز المذهبية والجغرافيا؟ بل قد يكون السؤال المناسب: هل يملك هؤلاء قرارهم وهل يسمح لهم بأن يفهموا الأمور كما ينبغي، أم أن هنالك من يحجر على العقول والقرارات بالمال الفاسد وبجميع أنواع الضغوط؟
إن الواجب الشرعي يقتضي أن ندخل إلى الأزمة بكل جرأة وأن نتساءل كيف يكون الإصلاح؟ وأيهما قابل للإصلاح، تراكمات التاريخ أم وقائع السياسة المعاصرة؟
أقول لو بدأ الإصلاح من هنا فسنجد المجتمع الشيعي أو الجزء الذي يسيء إلى المقاومة بمذهبيته القابع في أوهام التاريخ، متجاوباً إلى أبعد حد في عملية الإصلاح المفترضة هذه، ونحن هنا نتكلم عن تجربة لا عن افتراضات وأوهام".
يحق للسنّة الحريصين على المقاومة وعلى وحدة الأمة أن يصرخوا بأعلى الصوت: أيها الشيعة، اخرجوا من التاريخ أو من بعضه إلى رحاب الإسلام، كما يحق للشيعي الذي قدم للأمة العزة والانتصار أن يصرخ: أيها السنة، افهموا الحاضر وتعاملوا معه بواقعية وعقلانية.
(جزء من رسالة أصدرها الشيخ ماهر حمود أمس)
* رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة