غداً في أوسلو، تسلم جائزة نوبل للسلام. غداً 10 كانون الأول 2014. مشهد مليء بالرموز والطقوس والتذكارات والتحيات واللفتات، منها المعلوم ومنها ما يجدر البحث عنه بين تاريخ الغد وتواريخ الأمس. لكن اختصارها كلها أن «أميركا الصهيونية» و«الإسلام السياسي»، سيكونان غداً تحت المجهر، تماماً كما هما منذ عقود، أمام امتحان التاريخ والبشرية واستحقاق صنع سلام الاثنين.
أولاً ستكون أميركا حاضرة غداً في العاصمة النروجية. وستكون حاضرة بالذاكرة والمصادفات المقصودة، وبالرسائل المشفّرة. فغداً، ليس موعد تسليم جائزة سلام هذا العام وحسب. بل هو أيضاً الذكرى الـ 66 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما هو الذكرى الخمسين بالتمام، لتسلم مارتن لوثر كينغ الجائزة نفسها، نوبل للسلام سنة 1964. محطتان تكادان تخزان الوجدان الأميركي. تهزّان ضمير واشنطن. تمسكان بكتفي كل سياسي متسكع ضمن المثلث الفدرالي، تزلزلانه لتسألاه: هل تتذكر؟ وماذا فعلت؟
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذلك النص التأسيسي لما صار القانون الدولي على المستوى الحقوقي الإنساني، حملت فكرته سيدة أميركية. لا بل هي السيدة الأميركية الأولى، إليانور روزفلت. زوجة الرئيس المنتصر على الانهيار الاقتصادي وعلى الحرب الكونية وعلى إعاقة الجسد. نقاشات فلسفية، جدالات في الأفكار الدينية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والسوسيولوجية، قبل أن تنتهي إلى ذلك الإعلان ــــ الوثيقة ــــ الشرعة. بعده بأقل من عشرين عاماً، اغتيل مارتن لوثر كينغ. سقط برصاص الحقد الأبيض، على البشرة السوداء وبشارتها. بعد ثلاثة أعوام على منح جائزة نوبل إلى الرجل الضحية الشهيد الذي صرخ يوماً: «لدي حلم!».
غداً في أوسلو، ستكون واشنطن كلها كمن يستعيد شريط الخطايا والارتكابات. خصوصاً سيد واشنطن اليوم. أوباما، هذا الملوّن الذي قيل فيه قبل ستة أعوام، إنه نتاج تراكم نضالي عمره من عمر تلك الجائزة. والذي قيل عنه إنه حيث هو اليوم، لأن روزا تمسكت بحقها في «الجلوس»، لكي يتمكن مارتن لوثر من «السير»، فيدخل جيسي «السباق»، ليحقق باراك في النهاية حلم «الوصول». سلسلة من المحطات المضيئة في تاريخ أميركا التعددية. ولمن لم يلتقط رمزيتها التاريخية، المقصود بجلوس روزا، هو لحظة رفضت المواطنة الأميركية من أصل أفريقي روزا باركس، إعطاء مقعدها للرجل الأبيض في حافلة النقل المشترك، في أميركا التمييز العنصري. و«سير» مارتن لوثر، هو حين أطلق القس الإنجيلي، ابن القس الإنجيلي المسمى على اسم ثائر البروتستانتية الألماني من القرن السادس عشر، «مسيرة» الملوّنين في قلب واشنطن. و«سباق» جيسي، حين صار القس جيسي جاكسون أول أفريقي – أميركي يترشح لرئاسة أميركا... كل ذلك تراكم في التاريخ والنضال والوعي والسلوك، حتى وصل باراك أوباما. وصل الرجل، ليجد بلاده غداً عند تسليم جائزة نوبل، وفي الذكرى الخمسين لفوز «الشهيد» مارتن لوثر بها، مسرحاً للاضطرابات العنصرية القديمة نفسها، من فيرغيسون إلى نيويورك. فيما أوباما نفسه، تتويج ذلك النضال الإنساني، يعيّن سفيرة لبلاده في بودابست، ميزتها الوحيدة أنها جمعت له نصف مليون دولار من التبرعات، ولا تعرف عن بودابست أكثر من اسمها!
غداً، حين تستذكر أوسلو خمسينية كينغ، سينتبه العالم إلى أن أميركا اليوم ليست أميركاه. وهي ليست أميركا إليانور روزفلت. ولا أميركا ديمقراطية دي توكفيل. ولا طبعاً أميركا «الأخلاق البروتستانتية» التي كتب عنها ماكس فيبر. إنها أميركا أخرى. هي أميركا اسرائيل في الخارج. وأميركا وول ستريت في الداخل. وبين الاثنين، شعب يستحق أن يتذكر آباءه المؤسسين، وأن يستذكر مارتن لوثر كينغ.
وغداً أيضاً، يمثل المشهد الثاني في أوسلو. مشهد ملالا يوسف زاي. ابنة السبعة عشر ربيعاً. الفتاة الباكستانية التي واجهت طالبان وحدها. ببراءتها، بطفولتها، بحقها، وبعظمة الإنسان المرأة فيها. ملالا التي تلقت رصاصة إسلاميي طالبان برأسها، وفي رأسها، لأنها أصرت على حقها في التعلم، في وجه عسف ظلاميتهم وحقدهم وتخلّفهم ورجعية ما قبل الحرف والكلمة والإنسان. فانتصرت برأسها المصاب على رصاصهم المصوّب. وصارت رمزاً لإنسان مسلم مناقض للاسلام السياسي العنفي، قادر على أن ينتمي إلى العصر، وعلى أن يكون ابن اليوم، وأن يفتح للقيم الإنسانية الجامعة باباً على عالم كامل، أراده البعض مقفلاً مغلقاً موصداً على بشر من جنس مختلف عن البشرية، على طريقة «هوموس إسلاميكوس».
غداً حين تقف ملالا، وزميلها الهندي الهندوسي، كايلاش ساتوارثي، لتسلم الجائزة النبيلة، سيتذكر العالم مصادفات كثيرة. سيتذكر هند غاندي. هند اللاعنف، وهند السيادة المنتزعة بالسلم والصوم والمحبة. الهند التي قسمها الفكر الديني العاجز عن قبول الآخر. وغاندي الذي سقط ضحية العنف الديني الذي يرفض حتى الذات المتسامحة مع الآخر. الهند التي صيّرها الدين السياسي، والإسلام السياسي ثلاث دول. وغاندي الذي صار شهيداً، في السنة نفسها التي شهدت ولادة إلاعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما ولادة اسرائيل. غداً تفتضح كل هذه، تتعرّى تجت حجاب ملالا الخافي لجرحها المحيي. غداً يصير المجرمون صغاراً أكثر، جبناء أذلّ، ساقطين من سفر التاريخ ومن صفحات الحق والخير.
غداً، 10 كانون الأول 2014، محطة لتُسأل أميركا الصهيونية، والإسلام السياسي، ماذا تفعلون بإنساننا؟ ماذا تفعلون بعالمنا؟
5 تعليق
التعليقات
-
نيالنا فيكنيالنا فيك عم بتعلمنا التاريخ ونحنا قاعدين بالبيت .
-
ارجوك ترجمها للانكليزي ...ارجوك ترجمها للانكليزي ...
-
كلام في السياسة غدا تسال اميركاان السيد جان عزيز يتصف بالروح الانسانيةالعالية فمااجمل ان يعي احدنا انسانيته قبل انتمائاته القومية والدينية والمذهبية والمناطقية فكلنا بشر قبل ان نكون اي شي اخر إن السيد جان وامثاله يهذبون الروحالانسانية وينموها فمرحبا به وبكتاباته
-
نوبل للسلام لمن يستحقهامقاله جميله اختصرت احداث تاريخيه انسانيه بأسطر قليله. السؤال يبقي هل كل من حصل علي جايزه نوبل للسلام كان بالفعل يستحقها ؟! لليوم لم افهم لماذا نالها اوباما مثلا وحتي عرفات ؟! اي سلام حققه الاول غير وصوله كاول رجل اسود الي الرئاسه؟ غاندي، مارتين لوثر ، مانديلا هم رموز الإنسانيه والسلام. والآن ساتوراثي وملالا . ملالا هي اسطوره ومدرسه . لك الف تحيه استاذ جان دائماً مبدع
-
أعجبني كثيراً هذا المقالأعجبني كثيراً هذا المقال وحرَك في مشاعر كثيرة حول العدالة والإنصاف وتسييس الأمور لما يخدم أجندة معينة عند اليقظين أبداً من الغربيين , وخصوصاً الأميركيين , لإظهار حدث معين بشكل صارخ للإساءة إلى الإسلام والإضاءة على حدث عادي في بعض البلدان وتصويره كأنه حدث خارق وجعله أكبر أهمية من أي شيء عداه . لا شك بأن ملالا يوسفزاي قد عانت من التخلف والقهر على يد طالبان لكنَها صوِِرت وكأنها الوحيدة التي نالها الظلم وجعلت من قصتها أسطورة عادت عليها بمردود مالي هائل لم تكن لتحلم به أو تحظى به لولا تسييس قصتها وجعلها مادة يومية في الصحافة العالمية لغاية في نفس أميركا , بينما المئات من بنات جيلها وبلدها يعانين أكثر مما عانت ويعشن في ظروف أتعس منها لكن لا اهتمام بمعاناتهن لأن قصصهن لا تعني للغرب شيئاً فهي لا تخدم أجندتهم السياسية والمعادية للشرق والإسلام .