يناقش مجلس النواب غداً القنبلة الموقوتة التي يشكّلها ملف «مليونَيْ» نازح سوري ونيّف، في ضوء التفاعلات السياسية لإعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من بيروت تقديم حزمة مالية بقيمة مليار يورو إلى لبنان (حتى 2027)، مقابل إبقاء النازحين في لبنان. في طريقها إلى المجلس، تحوّلت هذه القنبلة إلى مادة للتنافس وتسجيل النقاط بين الحزبَين المسيحيَّين الأقوى: «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، إذ باتَ هذا الملف شغلهما الشاغل، بدءاً بالضغط على البلديات، وصولاً إلى لقاءات مع المسؤولين والقادة الأمنيين وتنفيذ اعتصامات على الأرض. وثمّة من يخلط «النازحين» بالملفات الأخرى لتنظيف سجلّه في هذا الملف.ما من شك أن الطرفين يدركان أن قرار إعادة السوريين الى بلادهم أكبر منهما ومن كل القوى السياسية، ولو اجتمعت خلفَ موقف موحّد. فالملف بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين حساس إلى حدّ أنّ اتخاذ إجراء في حق لاجئ سوري واحد قد يستنفر كل سفراء الغرب في لبنان. ولا شك أيضاً أن تكثيف الطرفين حراكهما في هذا الملف يشكّل امتداداً للصراع اللانهائي بينهما، كما بيّنت ذلك الاتهامات المتبادلة حول من يتحمّل المسؤولية الكبرى في ملف النازحين.
المؤكد أن التيار الوطني الحر كانَ من أول المطالبين بمعالجة هذه الأزمة واتخاذ الإجراءات التي تحول دون تفاقمها. لكن المؤكد أيضاً أن كل الشعارات التي رفعها التيار لم تُترجم خطوة عملية واحدة، لا في حكومة الانقسامات عام 2010، التي كان له فيها 10 وزراء، ولا في عهد الرئيس ميشال عون، رغم كل ما تعرّض له العهد.
يساهم التيار في تأمين الغطاء السياسي لأهداف القوات


والمؤكد أيضاً أن أحداً لا يتحمّل مسؤولية تضاهي مسؤولية القوات اللبنانية التي «أحسّت بالسخن» بعد إقدام عصابةٍ أفرادها سوريون على خطف المسؤول القواتي باسكال سليمان وقتله. قبل ذلك، قادت القوات زيارات وفد «الأمانة العامة» لقوى 14 آذار الى وادي خالد وعرسال لدعم النازحين ورفض إخضاعهم لأيّ إجراءات تنظيمية، ظنّاً بأنّ هؤلاء قد يشكّلون يوماً قوة في وجه حزب الله في الداخل. ومع تحوّل القضية إلى فتيل متفجّر، وخصوصاً بين المسيحيين، لا تسعى «القوات» إلى حل المعضلة بقدر ما تبذل محاولات لتنظيف سجلّها. وواحدة من المحاولات، وفق معلومات «الأخبار»، كانت في اتجاه المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، الذي زارَه وفد من كتلة «الجمهورية القوية» برئاسة النائبة ستريدا جعجع قبلَ أقل من شهر، للبحث في الإجراءات المطلوبة لترحيل النازحين، ولمّحت جعجع إلى وجود خطة حكومية لا ينفّذها الأمن العام الذي يجب أن يقوم بدور أكبر لتنظيم اللجوء. وكان واضحاً أنّ القوات تسعى بذلك الى الاستثمار بهذا الأمر سياسياً من خلال الإيحاء بأهمية الدور الذي تقوم به في المناطق المسيحية، ولو تطلّب ذلك «إغراء» جعجع للبيسري بالملف الرئاسي من خلال التأكيد أن ذلك سيعزّز حظوظه داخلياً، فيما تجنّب البيسري الخوض في الأمر وأعاده الى مساره التقني.
واللافت أن أكثر ما يسهم في تعزيز موقف القوات ويساعدها في تحقيق هدفها السياسي، بمعزل عن تحقيق هدف إعادة النازحين من عدمه، الغطاء السياسي الذي يؤمّنه التيار الوطني الحر للخطاب القواتي في ما يتعلق بـ«مناطق المعارضة» و«مناطق النظام» في سوريا.
من الواضح أن الفريقين تتحكّم بهما الشعبوية التي تدفعهما الى خطاب سياسي عالي السقف. غيرَ أن الوقائع تقول بأنّ ثمّة غلبة سياسية لفريق على آخر، حيث يتجاوز نشاط القوات الحدود، في ظلّ معلومات تتحدث عن «تواصل بين معراب والمعارضة السورية بهدف تنسيق عودة بعض النازحين الى مناطق تسيطر عليها المعارضة في سوريا، وهو لا شك أمر تستثمره معراب في الشارع المسيحي، بينما أحجم التيار سابقاً عن فتح قنوات التواصل المباشرة مع الدولة السورية»!