يتزامن العدوان الإسرائيلي المستمرّ على لبنان منذ خمسة أشهر مع إفلاس مؤسسات الدولة و«تقنين مقصود» للدعم الدولي عن المؤسسات الرسمية والجمعيات غير الحكومية، تاركة الميدان لفرق الإسعاف وحدها لنقل المصابين وإطفاء الحرائق وإغاثة المقيمين في قراهم والنازحين منها، وعرضة لاستهدافات العدو، ما أدى إلى سقوط سبعة شهداء وعشرة جرحى من الهيئة الصحية الإسلامية وكشافة الرسالة وتضرّر 17 سيارة إسعاف.
لكن، هل تسمح الإمكانات المادية واللوجستية بصمود هذه الفرق إذا ما توسّعت الحرب؟

(الأخبار)

يصف رئيس اتحاد بلديات القلعة في قضاء بنت جبيل (تبنين، كفردونين، دير أنطار، كفره، قلاويه، صفد البطيخ، جميجمة، حاريص، وعيتا الجبل) نبيل فواز دور البلديات بـ«المتواضع»، مشكّكاً بقدرتها على الاستمرار حتى في هذا «الدور المتواضع» في ظل «الإفلاس والعجز، وبعدما صارت موازناتها السنوية لا تكفي لتسديد رواتب عمالها لأكثر من أربعة أشهر». لذلك، «أصبح الدفاع المدني يشكّل العمود الفقري لمختلف المهمات في القرى الجنوبية، إذ يعمل في الإسعاف والبحث والإنقاذ ورفع الأنقاض وإطفاء الحرائق»، بحسب المدير العام للدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية عدنان مقدم، مشيراً إلى أن «هناك 66 مركزاً للدفاع المدني في المنطقة الحدودية و1800 مسعف يعملون اليوم في الخطوط الأمامية، و3500 مسعف على جهوزية عالية لمواجهة أي عدوان واسع في حال وقوعه. وقد راكمنا خبرات على صعيد فرق لإدارة الجثث عبر إجراء فحوص الحمض النووي لها، وأخرى للبحث والإنقاذ باستخدام معدات الهيدروليك المتطورة، مستفيدين من الخطة التي أطلقناها عقب الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري في شباط 2023».
الاستجابة الفورية لحظة الاستهداف أظهرت عدم وجود مشكلة لجهة نقل الجرحى والمصابين حتى الآن، وهذا ما يؤكده الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة لـ «الأخبار»، مشيراً إلى أن الصليب الأحمر نقل خلال الحرب الحالية «أكثر من 87 شهيداً وجريحاً، إضافة إلى 7852 مهمة إسعاف ضمن منطقة الجنوب بين 7 تشرين الأول وأواخر شباط الماضي جرّاء حوادث لا ترتبط بالحرب. وخلال هذه المدة أيضاً، أمّنت مراكز نقل الدم التابعة للصليب الأحمر في النبطية وصيدا وصور 128 وحدة دم للمستشفيات». ويبلغ عدد مراكز الصليب الأحمر في الجنوب 11، تغطي المنطقة من شبعا إلى صيدا، وهي مجهّزة بـ 65 سيارة إسعاف مع 850 مسعفاً، 400 منهم حاضرون بشكل دائم والباقون تتم الاستعانة بهم عند الحاجة.
ويُطمئن رئيس مركز النبطية الإقليمي في الدفاع المدني حسين فقيه بأنّ «الأمور ميسّرة حالياً»، و«ليس هناك نقص في عدد آليات الإسعاف والإطفاء أو في المحروقات والعناصر المدربة»، متحدثاً عن 521 مهمة إطفاء وإسعاف وإنقاذ وبحث تحت الأنقاض نفّذها عناصر الدفاع المدني في محافظة الجنوب، «غير أنه ألقيت علينا مهمة إضافية خلال الحرب تتعلق بمراكز الإيواء وتزويدها بالمياه».
إحجام من الجهات المانحة عن تمويل الفرق بما فيها الصليب الأحمر اللبناني


كل هذه التطمينات حول الاستعدادات للاستجابة الفورية للحرب لا تنفي وجود أزمات مالية تنخر أجسام المؤسسات والجمعيات والهيئات العاملة في مجال الإسعاف والإنقاذ، إذ «نعمل باللحم الحي»، على ما يقول مفوض عام جمعية الرسالة للإسعاف الصحي ربيع عيسى، «فالمهمات التي تنفّذها الجمعية من إسعاف وإطفاء وإجلاء تقوم على بدلات اشتراكات العناصر وانتسابهم، إلى جانب مساعدات ودعم محلّي من أبناء المناطق». أما الدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية والبلديات، فحاله كحال مؤسسات الدولة وإدارتها جرّاء الأزمة الاقتصادية، يعمل بإمكانات متواضعة وعتاد «عفى عليه الزمن»، و«أصغر آلياته سنّاً يزيد عمرها على 25 سنة»، بحسب فقيه. وتنسحب الأزمة أيضاً على الصليب الأحمر اللبناني رغم «ثقل» المساهمات التي تأتيه من الجهات المانحة، إذ، وفقاً لكتانة، «نمرّ بأزمة تمويل، فقبل 2019، كنا نحصل على مساهمة من الحكومة اللبنانية كجمعية وطنية مستقلة، ولم نعد بعدها نتقبّل غير التعازي. وما زاد الطين بلّة حربا أوكرانيا وغزة اللتان استقطبتا جزءاً كبيراً من الدعم الدولي الذي كان يصلنا». وأكد أن «الاستمرارية مشروطة دائماً بالتمويل»، مشيراً إلى طلب الصليب الأحمر اللبناني تمويلاً إضافياً من شركائه في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، «وحتى الآن لم يصلنا شيء»، كما «طلبنا من 22 جمعية دولية تساعدنا في مشاريع دائمة أن تخصّص جزءاً من التمويل لمقتضيات الحرب في الجنوب، وقد استجاب بعضها كالهلال الأحمر العراقي الذي أرسل حصصاً غذائية للنازحين».