أثار سقوط مطار الطبقة العسكري، وهو آخر معاقل الجيش السوري في الرقّة، الكثير من الأسئلة، وبعضها موجع لأنه يتعلق بعملية انسحاب فاشلة خلّفت وراءها أسرى وقعوا في أيدي مجرمي «داعش»، وواجهوا مذبحة مريعة، تمسّ المعنويات. وهو تكتيك يستخدمه أولئك المجرمون، اعلامياً، لبثّ المشاعر السلبية في صفوف السوريين.
«داعش» تتقدم في دير الزور، وتهدد مناطق أخرى؛ وبالمقارنة مع الانجازات العسكرية السورية في السنة الأخيرة من الحرب، تبدو انجازات «داعش» الميدانية، مثيرة للمخاوف؛ فقد أظهرت معركة المطار، مرة أخرى، أن تكتيكات التنظيم الإرهابي المتوحش، القائمة على إحداث الصدمة والرعب، لا تزال تحقق نجاحات من العراق إلى سوريا.
هناك الكثيرون من «الخبراء الاستراتيجيين» الذين انبروا لتبرير ما حدث في الرقة؛ لكن أحداً منهم لم يستطع أن يمنح الصدقية للبيان الرسمي السوري عن «إعادة التجميع الناجحة» التي تمت لدى الانسحاب من مطار الطبقة؛ أين هي الحقيقة؟ ليس هناك سوى التكهنات والشكوك والهواجس واحتجاجات الأسر المنكوبة، ما يعني، أولاً، فشلاً إعلامياً؛ فالإعلان عن الحقائق ـــ على قساوتها ـــ هو أقصر الطرق لتلافي البلبلة، وتجديد الثقة: ماذا حدث؟ وكيف ؟ولماذا؟ وما هي الخطة البديلة؟
نحن، ومن خندق الدولة السورية وجيشها البطل بالذات، نسأل: هل هناك خطة سورية لاستيعاب وتفكيك استراتيجية «داعش» القتالية وتكتيكاتها؟ من الواضح أننا أمام ميليشيا من نوع جديد، غير تلك الميليشيات التي قاتلها الجيش السوري في السنوات الثلاث الماضية؛ ومن الواضح أنه لم يجر، حتى الآن، تدبّر المعالجة الفعّالة لضربها، وشنّ هجمات استباقية واسعة ضدها، والحاق هزيمة صريحة بأحد تجمعاتها في معركة مصوّرة.
كان هناك كمين أدى إلى مقتل عشرات «الدواعش»، غير أن المطلوب شيء آخر: ضربة مزلزلة باهرة، تكتسب، الآن، أهمية معنوية وميدانية وسياسية؛ معنوياً، تحتاج كل القوى المقاومة لإرهاب «الدولة الإسلامية»، إلى انتصار يجدّد لديها الثقة بإمكانية صد هذه الهجمة البربرية، ويحفز المزيد من المتطوعين للقتال ضدها ومحاصرتها ــــ سيما وأن تجربة قبيلة الشعيطات في مقاومة «داعش» كانت مريرة وانتهت بذبح 700 من أبناء القبيلة. وميدانياً، هناك خشية جدية من أن استمرار «داعش» في تحقيق انجازات عسكرية، سيعيد الأمل للجماعات الإرهابية الأخرى التي هُزمَتْ أو أوشكت على الهزيمة في مناطق مختلفة في سوريا، مما يشدّ من أزرها، ويدفعها إلى القتال مجددا؛ وسياسياً، فإن انجازات داعشية جديدة ستشكّل عاملاً مهماً للغاية، في دعم الاستراتيجية الأميركية، القائمة، حتى الآن، على فكرة الاحتواء المزدوج لـ «داعش» والنظام السوري معاً!
على مدار الحرب الإرهابية العدوانية على سوريا، أثبت الجيش العربي السوري صلابته وتماسكه وتمتعه بقدرات قتالية استثنائية؛ ونحن لا نزال نؤمن بأن أي جهد لاستئصال هذا التنظيم البربري، ليس ممكناً من دون أن تكون القوات المسلحة السورية، هي عماد ذلك الجهد؛ غير أن هناك مشكلتين، ينبغي الحديث عنهما بوضوح؛ الأولى أن أحداث الرقة تشير إلى وجود ارتباك ميداني. وهو، بحدّ ذاته، ورغم ما يسببه من خسائر وآلام، يظل ارتباكاً إدارياً ــــ تقنياً، يمكن استدراكه، والتغلّب على الثغر التي عانى منها، هنا أو هناك.
لكن المشكلة الثانية هي الأهمّ؛ ففي مواجهة «داعش»، نحن أمام ارتباك سياسي سوري صريح ــــ أظنه هو المسؤول عن الارتباك الميداني والتراجعات ــــ ومصدر هذا الارتباك يكمن في الآتي:
أولاً، الوهم بأن القتال بين «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى المناهضة لها، سيدمّر الطرفين؛ بالتجربة، تبين أن «داعش» هي التي تستوعب سواها وتتوسع؛ ثانياً، الوهم بأن «داعش» هي قضية اقليمية ودولية، وليست، تحديداً، سوريّة؛ وهو ما يشيع الوهم، ثالثاً، بأن التحالف الإمبريالي الرجعي سيتجه إلى المصالحة مع سوريا، وضمّها إلى تحالف ضد «داعش»، يكون مدخلاً للخروج من الأزمة؛ وكل ذلك مستند إلى الوهم بأن الولايات المتحدة وحلفاءها قد انتقلوا، فعلاً، إلى صف محاربة الإرهاب!
هناك، بالطبع، مخاوف لدى الإمبرياليين والرجعيين من انتقال الوحش ــــ الذي خلقوه بأيديهم ــــ إلى تهديد مصالحهم في كردستان العراق والسعودية والأردن، ولكن، هل يبالون حقاً باستنزاف سوريا المستقلة المقاومة؟
بدلاً من مغازلة الغرب، يتيح القرار الدولي 2170، لدمشق الدعوة إلى تحالف اقليمي ــــ دولي علني، مع إيران وروسيا، في مواجهة «داعش» و«النصرة» وأشباههما في سوريا.
5 تعليق
التعليقات
-
يجب على أفراد الجيش السوري التحول من "جنود" إلى "صيادين"!مع كل معركة، تخبرنا المصادر بقساوتها وبمشاركة واسعة لسلاح الجو والمدفعية والصواريخ، بالإضافة إلى الجنود وعناصر الدفاع الوطني.... إلخ. ومع هكذا أخبار، يتوقع السامع والقارئ أن تكون قتلة العصابات المسلحة بالمئات، إذا ما كانت بالآلاف... ولكن مع إنهائها، تأتي أعداد قتلاهم مخيبة للآمال ومناقضة للتصور الذي زرع في مخلاتنا ومن خلال ما ينقل من أخبار المعركة. لذلك، إن كانت هذه الأرقام صحية، فهذا يعني أن مقاتليننا يعانون من مشكلة في غاية الخطورة والأهمية، تتعدى بأهميتهة المهارات الإدارية والخطط العبقرية: لااااااا يمكننا ربح حرب كهذه بالرصاص "الطائش". شركات الأسلحة إخترعة البنادق والرشاشات الألية لأن الجندي يعتمد غزارة النار في حروبه لردع وصد عدوه عوضاً عن الرمي مؤكد الإصابة، السبب هو أن هدف الجندي ليس القتل العمد وأنما الردع ودفع العدو للإستسلام أو التراجع. لكن، في حرب من النوع الذي يخوضها الجندي السوري هذه الايام، هذه الاخلاق لا تنفع ويجب على الجندي السوري التخلي عنها والتحول من عقلية واخلاق "الجندي التقليدي" إلى عقلية وأخلاق "الصياد" الذي يستمتع بإصابة هدفة.
-
هناك حدود لقدرات الجيش السوريمعركة مطار الطبقة أكدت مخاوفنا القائمة على أن الجيش السوري وحده لا يستطيع حسم المعركة وأن على الحكومة السورية أن تواصل توسيع معكسر حلفائها والسماح بدخول أطراف أخرى فيه. نعيد القول بأن هناك حاجة ملحة لاصطفاف جميع القوى اليسارية والتقدمية والوطنية والعلمانية وحتى الليبرالية في صف النظام الوطني السوري بغض النظر عن موقفها من النظام السوري لأنها الطريقة الوحيدة للتغلب على مشروع داعش الرامي إلى القضاء على الدولة بشكلها الحالي في المنطقة العربية كلها وإنهاء جميع القوى المدنية والتقدمية ليس في المجتمع السوري وحده بل والوطن العربي كله. أضيف بأن على الحكومة السورية أيضا استدعاء القوات الجوية والبحرية الروسية والكوبية أيضا، والصينية إن كان ذلك ممكنا، للإسهام معها في الدفاع عن سورية ضد برابرة القرن الـ21 ولم لا وهم يحصلون على الدعم والمقاتلين من جميع الدول التكفيرية والغربية وتركيا وغيرها (ليس داعش وحدها بل الإرهابيين الآخرين الذين لا يقلون وحشية وتعطشا للدماء عن داعش). يجب بناء تحالف عربي ودولي عريض للقتال ضد البرابرة الجدد لأنها الطريقة الوحيدة لحماية أسلوب حياتنا ورصف الأرض للتقدم تجاه الوطن المحتل وتحريره نظرا إلى أن مجموعة كبيرة من هذه العصابات لا تهمهما فلسطين ولا تحريرها ولا المشاركة في المعركة الحقيقية بعد أن ضاعت بوصلتها وضاعت في خضم الإرهاب ومحاولات تصفية القضية المركزية.
-
ان داعش هي صنيعة القوىان داعش هي صنيعة القوى المتسلطة والتي تعمل دون كلل او ملل للحفاظ على قدرتها في نهب مقدرات الشعوب أين ما وجدت وهي على درجة خيالية من الكفائة في تضليل الشعوب و الأفراد وعلى هذا يجب ان يكون الى جانب البندقية التي هي العنصر الاول في محاربة هذا الهجوم الوحشي و المدمر على امتنا هو عنصر الوعي الثقافي والإعلامي وعلى ان يكون هناك مجموعة من الصحفيين و الكتاب والمثقفين و كل النوادي والجمعيات الفكرية والاجتماعية للعمل على كشف هذه المؤامرة الخبيثة ضد امتنا وشعوبها كما انه يجب العمل على إيصال الصوت والصورة الحقيقية للمعركة الى كل الشعوب الغربية وفضح ما تقوم به حكوماتها من دعم لهذه الوحشية بشكل سري و كشف الوجه البشع لها انهم يدعون انهم ضد الإرهاب وهم يمولونه ويمدونه بالمال والعتاد ويستغلون غباوة وجهل هذه الجماعات الضالة بل حتى انهم يتلاعبون بالمعتقدات والأديان ويرسمون توجهات الشعوب بشكل فاضح للحفاظ على مصالحهم في العالم فلا ينطلي على احد ان أميركا ستحارب داعش ان اي جيش عربي ولو كان صغيرا يستطيع مسح داعش من الوجود لو حصل على نصف الدعم المادي والعسكري الذي تحصل عليه داعش . أتمنى من كل قلبي ان تستيقظ احزابنا وقوانا السياسية وكتلنا النيابية وكل تجمعاتنا الاجتماعية في اي مكان من هذا العالم ليس فقط في الدول التي تحصل فيها المواجهات مع الوحوش فقط بل على وجه الخصوص في الدول الغربية و تعمل على كشف المؤامرة و الى تحديد الوجه الحقيقية للمعركة.والله ولي التوفيق
-
الصمود لم يعد يكفىمقال جيد ناقد للدولة السوريه من موقع وتوجه معروف بتأييده للدولة والجيش السورى وهذا ما تحتاجه القيادة والشعب السوري من الحريصين على سوريا لتدارك الاخطاءوتصحيحها بشكل مستمر لتعديل المسار نحو الافضل لا بعد فوات الاوان..وليس مقالات رفع المعنويات أخفاءالواقع بيع الوهم ونكران الاخطاء الميدانية والسياسية وأن بحسن نيةـ الاخطاءالعسكريةوالسياسية كثيرة وكبيرة فى هذه الحرب الطويلة الشرسة ـ فى سوريا الصمود لم يعد يكفى..من يعيد توحيد سوريا.. لابديل عن الانتصار.. ولكن كيف ؟
-
الغرب لا زال وراء داعشحتى هذه اللحظة يا أستاذنا الكريم لا يزال الغرب وراء داعش رغم القرار الدولي. فخطاب الملك السعودي كان واضحا بإتهام الغرب والتهويل عليهم بأن ما يفعلوه سوف يصل للغرب. وربما هذه اول مرة يكون الخطاب السعودي بهذه الصراحة وعلى لسان رأس كل السلطات في المملكة. فالغرب وورائه او أمامه اسرائيل تقود المعركة وبذلك لا مجال للتكلم عن تكتيكات داعش بل انها غرف عمليات الصهاينة وأقمار أمريكا الصناعية هي من يتكتك ويقود المعركة. ان أمريكا اليوم كشّرت عن أنيابها وانقلبت على الجميع حتى اولائك الذين امدّو الحرب في سوريا بالمال والسلاح ليأمنو جانبها ويثأرو من الأسد وإيران، ها هم اليوم يستجدونها ان تردع داعش من ان يصل اليهم ويؤكدون لها ان داعش ستصل للغرب بعدها. اليوم تستدعى قوات الاحتياط في الخليج وغدا من يعلم ماذا يحصل... أمريكا اليوم تبتز الجميع للقضاء او تحجيم داعش ايران تبتزها بملفها النووي سوريا تبتز بعمر النظام السعودية تبتز بترليوناتها الست في بنوك امريكا وكلفة القضاء على داعش والتي قد تفوق حساباتها. لذالك نقول هذه ليست تكتيكات داعش بل من يفوقها شراً ودهاء.