عند الثامنة وقليل من صباح أمس، غادر المقاوم علي رمزي الأسود (31 سنة) منزله في ضاحية قدسيا قرب دمشق. وبينما كان يستعدّ لركوب سيارته، انهمر رصاص كثيف باتّجاهه، حيث أفرغ مجهولان أكثر من ثلاثين طلقة من رشاشات خفيفة، أصابت أكثر من عشر منها الأسود بإصابات قاتلة. وعند قدوم سيّارات الإسعاف والأجهزة الأمنية، كان المقاوم قد فارق الحياة. وبعد نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة السورية لتشريح الجثة، تمّ إخراج عدد غير قليل من الرصاصات من جسده، ليتبيّن أنها من أسلحة متوسّطة، يبدو أنها غربية مخصّصة للاغتيالات. وأظهر تقرير الطبّ الشرعي أن كمّية كبيرة من الرصاصات أصابت جسده، لكن اللافت أنه تعرّض للطعن بسكين حادّ بعد وقوعه أرضاً.
ملصق وزعته حركة الجهاد الإسلامي بعد إعلان استشهاد المقاوم الأسود (الإعلام العسكري - سرايا القدس)

وبحسب بيان الطبيب الشرعي، فإن عمليات الطعن حصلت بعدما فارق الأسود الحياة، في ما ينمّ عن رغبة العدو في إضفاء طابع متوحّش على العملية. كذلك، أظهرت التحقيقات أن الرصاصات كانت من حجم كبير، ومعدّة أصلاً لضرب أهداف مدرّعة، ما يعني أن القوة المهاجمة أخذت في الاعتبار أن يكون المقاوم الأسود مرتدياً واقياً للرصاص، أو أن العملية كانت لتقع ربّما عند ركوبه سيارته، ما يعني احتمال أن تكون سيارته مصفّحة.
وكان الأسود يعيش في مخيم اليرموك، لكنه نزح عنه بعد اندلاع الحرب في سوريا، وانتقل للإقامة في منطقة أخرى، ثمّ تزوّج وأنجب ابنتين وولداً، وهو كان يقظاً ويتّخذ إجراءات أمنية دقيقة في ضوء ارتفاع وتيرة العمل الصهيوني في سوريا. وقبل فترة، انتقل للسكن في ضاحية قدسيا حيث جرت عملية الاغتيال، والتي دلّت على أن العدو كان يعرف به، وأن خلاياه الأمنية عملت على مراقبته من خلال تعقّب تقني وبشري أيضاً، وهي حضّرت ودرست مسرح الجريمة جيداً، حتى تمكّنت من تنفيذها وسحْب المنفذين إلى خارج موقعها. وأشارت إفادات لشهود عيان إلى أن سيارة «فان» شوهدت تغادر المنطقة سريعاً بعد دقائق من حصول العملية، ويَجري البحث عنها. كما ظهرت بعض المؤشّرات إلى أن عملية المراقبة المباشرة قد أخذت وقتاً غير قصير، فيما يتمّ التكتّم على تفاصيل كثيرة حول التحقيقات الجارية في سوريا.

رصاصة سحبت من جثة الشهيد الأسود في أحد مستشفيات العاصمة السورية (خاص الأخبار)

الشهيد الأسود، هو ابن عائلة فلسطينية هاجرت إثر نكبة العام 1948 من قضاء حيفا، وسكنت في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق. وهو ولد في العام 1991، وتابع تحصيله العلمي في سوريا، وتخصّص في الكيمياء. وطوّر قدراته العلمية بجهد شخصي بعد انخراطه في «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» التي التحق بها في العام 2005 عن عمر 14 عاماً، وترقّى في المسؤوليات بعد خضوعه لدورات متخصّصة كثيرة، من بينها دورة قيادة وأركان، وكانت له إسهاماته في تطوير القدرات التقنية لـ«السرايا». والأسود، الذي حمّلت «الجهاد» في بيان نعيه الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن «الجريمة الغادرة» التي طاولته، مضيفةً أنه «اغتيل على يد عملاء العدو الصهيوني»، معروفٌ في أوساط الحركة بأنه «قيادي عسكري مهمّ في الساحة السورية»، وهو الشهيد السادس لـ«السرايا» في تلك الساحة منذ العام 2019.

الإقرار الإسرائيلي
وبينما سارعت وسائل إعلام العدو إلى نشر الخبر نقلاً عن مصادر خارج الكيان، قال رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في افتتاح جلسة الحكومة: «تعمل قواتنا على مدار الساعة لإحباط البنى التحتية للإرهاب، قتلنا عشرات المسلّحين الشهر الماضي، واعتقلنا عدداً آخر. أكرّر: كلّ الذين يحاولون إيذاء الإسرائيليين دمهم مهدور، سنصل إلى المطلوبين في كلّ مكان». وأضاف: «نحن نصل إلى الإرهابيين والمهندسين في كلّ مكان وأينما كانوا».
نتنياهو يتبنى الجريمة: دمهم مهدور وسنصل إليهم أينما كانوا

وبدا موقف نتنياهو هذا، بمثابة إشارة انطلاق للخبراء والإعلاميين للربط بين عملية الاغتيال وبين عملية مجدو، إذ وافق رئيس «شعبة العمليات السابق»، اللواء يسرائيل زيف، على الربط بينهما، مبرّراً ذلك في مقابلة مع «إذاعة الجيش»، بأن «حركة الجهاد لا تلتزم بقواعد اللعبة القائمة مع إسرائيل»، في إشارة إلى كون عملية مجدو بدت خارج القواعد المألوفة، وبما يستبطن إقراراً بعنصر المفاجأة التكتيكية وبأبعادها الاستراتيجية. أيضاً، تبنّى العديد من الإعلاميين والمعلّقين العسكريين، بصياغات مختلفة، «نظرية» وجود صلة بين «مجدو» و«قدسيا» التي برز إجماع على كونها نُفّذت من قِبل «الموساد». لكن بعض المعلّقين رأوا أن الاغتيال هو جزء من التعامل مع القوى الموجودة خارج الكيان، وأن لا علاقة له بحادثة مجدو، على رغم أن هؤلاء تحدّثوا عن أن الشهيد كان يعمل على إعداد مجموعة من العمليات العسكرية داخل فلسطين المحتلّة.
في المقابل، قرأت مصادر في فصائل المقاومة في فلسطين في الاغتيال إعلاناً إسرائيلياً عن الاستعداد للدخول في حرب متعدّدة الجبهات، فضلاً عن أنه يفتح الباب من جديد أمام سيناريو تصفية قيادات المقاومة في الخارج.