اسم النرويج على رسمها الجيوسياسي. فهي طريق الشمال، شمال الأطلسي على اسم الحلف الذي تخدمه ويخدمها. النرويج دولة كانت، ولا تزال، ثرية لاتصالها القوي بالتجارة العالمية بفعل أسطولها البحري ونفطها. وموقعها في مركز القوة العالمية من خلال الأطلسي هو ما يؤمّن لها مصالحها في الجنوب العالمي الغنيّ بالموارد والبعيد عنها جغرافياً.رغم ماضيها الاستعماري منذ الفايكينغ الى كنف الإمبراطورية الدانماركية، حافظت النرويج على سمعتها النظيفة، وروّجت لنفسها كـ«دولة صانعة للسلام ومناهضة للاستعمار» لصغر حجمها، وبالتالي انعدام مطامعها. إلا أن يدها الصغيرة ملطّخة بدماء ضحايا المغامرات العسكرية الأميركية، لكونها دولة صغيرة بيضاء شمالية، لا يمكنها الحفاظ على ثرائها من دون النظام الإمبريالي.
موقع النرويج على المدخل الشمالي للأطلسي بالنسبة إلى الروس، وكونها الدولة الوحيدة في الحلف التي تمتلك حدوداً برية مع روسيا، أكسبها اهتماماً أميركياً خاصاً، انعكس معاملة تفضيلية، وتغوّلاً أميركياً في السياسة الداخلية والسيطرة العميقة على الدولة. من مظاهر ذلك فضيحة الأرانب (كناية عن الآذان الطويلة) التي كشفت عن وجود محطات تجسس أميركية سرية وضعت النرويج في قلب السياسة الدفاعية النووية الأميركية من دون علم النرويجيين. وعند انكشاف هذه المحطات، شنّ الحزب الحاكم والإعلام حملة تخوين وملاحقة مهنية ضد من كشفوا هذه المحطات.
أثارت تسريبات ويكيليكس عام 2010 ضجة حول عدد من السياسيين في وزارتَي الدفاع والخارجية الذين كانوا يتبرعون بمعلومات سرية للسفارة الأميركية ويعملون معها لتغيير بعض المواقف والقرارات التي تتعارض مع السياسة الأميركية من خلال عدد من الفاعلين لمصلحة أميركا داخل الجسم السياسي النرويجي.
رغم بروباغاندا «أمّة السلام» التي تروّجها النرويج عن نفسها لتسهيل تدخلاتها في العالم الثالث، فهي من أكثر الدول عسكرة، في انعكاس آخر لموقعها الاستراتيجي بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي. ففيها أكبر عدد من المطارات العسكرية (غالبيتها أميركية) نسبة إلى عدد للسكان، ولا تزال الخدمة العسكرية فيها إلزامية عكس محيطها. كما أنها من أكبر مصدّري الأسلحة في العالم (عام 2006 كانت السادسة على مستوى العالم) وغالبية المستوردين هم أطلسيون، وتقوم النرويج بالالتفاف على القانون وتصدير سلاحها إلى الدول التي تشهد حروباً ونزاعات (للطرف المدعوم أميركياً) عن طريق الترانزيت الشرق أوروبي بشكل خاص (وخصوصاً إلى «إسرائيل»). وعلى مستوى إنتاج الأسلحة، صنّف معهد استوكهولم للعلاقات الدولية النرويج كأكبر منتج للأسلحة نسبة إلى عدد السكان في العالم عام 2009.
في ما يتعلق بالتدخلات العسكرية المباشرة، وبحسب مجموعة من الباحثين حول التدخل النرويجي في أفغانستان، تحوّلت النرويج مع عام 1995 من البعثات العسكرية في مهمات الأمم المتحدة الى تلك الخاصة بتحالف الأطلسي نظراً الى أن الأخيرة تكسب خبرة و«برستيج» عسكرياً. أما في ما يخص التدخل في أفغانستان نفسها، فقد ساهمت النرويج خصوصاً بالطيران الحربي والقوات الخاصة المطلوبة بقوة من الحلف، لملء الفراغ الأميركي المتوجّه للعراق. عام 2005، وضعت أوسلو ثقلها في أفغانستان لناحية الكوادر والإجرام بما في ذلك قتل المدنيين ومنهم النساء والأطفال بحسب تسريبات «ويكيليكس». علماً أن النرويج كانت قد دعمت المجاهدين في حربهم على السوفيات، وشجع اليسار الماوي فيها الرأي العام لدعمهم حتى عسكرياً.
مشاركات النرويج في القصف والقتل في بلادنا أكثر من أن تعدّ إلا أن دورها في يوغوسلافيا مهم لكونه مخاتلاً


قد تكون مشاركات النرويج في القصف والقتل في بلادنا أكثر من أن تعدّ (منها ليبيا التي تولّت النرويج وحدها 15% من حملة القصف الجوي عليها)، إلا أن دورها في يوغوسلافيا مهم لكونه مخاتلاً. عام 1999 استغل الأميركيون تولي السفير النرويجي السابق في أميركا كنوت فوليبيك منصب وزارة الخارجية، والذي صادف أنه في ذلك العام كان سيشغل منصب الأمانة العامة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE. بمجرد تقلّده المنصب بدأ الأميركيون في التصعيد، إذ إن المنظمة تحمي يوغوسلافيا من التعرض لأيّ عدوان عسكري قد تشارك فيه أي من الدول الأعضاء في المنظمة، وبالتالي من حلف الأطلسي. إلا أن فوليبيك (الذي قد يفعل أي شيء لعيون مادلين أولبرايت)، كوسيط سلام، هيّأ السياق اللازم لتبرير القصف. فهو أدخل ويليام والكر كسفير ورأس لمهمة التحقق بطلب من أولبرايت، وهو الذي ضمن بقاءه، والرجل، بحسب الطرف اليوغوسلافي، عنصر مخابرات كان مسؤولاً عن استعادة جيش تحرير كوسوفو (المصنّف كمنظمة إرهابية حتى بالنسبة إلى الأميركيين) لمناطق النفوذ التي كان قد خسرها، والذي لولا تدخل الأميركيين لكان الصراع على وشك التهدئة. وهكذا اضطر ميلوسوفيتش إلى الذهاب إلى مفاوضات رامبوييه (فرنسا) التي أدارها فوليبيك على النسق الذي تريده أولبرايت. إذ وضعت شروط تعجيزية يجب الإذعان لها خلال أيام. وقد صُممت هذه الشروط لكي ترفض (في النهاية سمّيت الحرب بحرب أولبرايت وهي كانت تفتخر بهذا الاسم). وبينما روّج الوزير النرويجي للسردية الأميركية حول حماية كوسوفو وإنهاء المأساة الإنسانية فقط، كانت الشروط تنص على إخضاع البلاد كلها للأطلسي عسكرياً من بين شروط تعجيزية أخرى. هكذا، خلال أسابيع قليلة، هيِّئت الظروف لشيطنة الحكومة اليوغوسلافية، ونزع الحماية الأوروبية عنها ومباركة القصف الأطلسي الذي دام أكثر من سبعين أسبوعاً وشمل كل البلاد، وركز على تدمير البنية التحتية وكل مرافق الدولة واستهدف المدنيين البائسين. يذكر أن الأطلسي كان معنياً منذ البداية بالقصف الجوي عوضاً عن الدخول البري وذلك لاعتبارات عدة، منها استعراض القوة كما تشغيل الآلة العسكرية الأميركية، إذ ينقل عن أولبرايت أنها قالت حينها ما معناه أن لدى الأميركيين أقوى جيش في العالم وأن عليهم استخدامه. أما بالنسبة إلى النرويجيين، فقد كانت المسألة تعنى بالاستماتة في إثبات مكانتهم في عالم ما بعد الحرب الباردة في حلف الأطلسي. 
هذا مجرد قبس عن أطلسية وعسكرة النرويج التي تقتحم بلادنا تحت أقنعة السلام والإنسانية.