انطباع أكثر من فريق سياسي كان بأن حزب الله يدعو إلى رئيس توافقي واجتماع كافة القوى على اسم يسهل تأمين الإجماع عليه، في وقت لم يعلن دعمه لأي مرشح من فريقه السياسي، فيما يملك في جعبته أكثر من مرشح يمكن تبنيه. وعُدّت خطوة الحزب ضمن سلسلة خطوات في اتجاه الاستحقاق في ضوء مشاورات كانت تتم على مستويات مختلفة. لكن البيان الثلاثي، بتوقيته وبلهجته ومضمونه، أثار نقزة الحزب، بحسب وجهة نظر خصومه الذين يعتقدون انه لن يقف بعد البيان متفرجا على محاولة عودة الضغط الغربي والعربي في اتجاهه، ومن الطبيعي أن يتكون لديه رد فعل بفرملة انتخابات رئاسة الجمهورية، في انتظار كشف مزيد من الأوراق التي يملكها اللاعبون الدوليون، لا سيما أن صعود أصوات في لبنان، كما حصل أخيراً في عظة البطريرك بشارة الراعي حول مخاطر تطيير الاستحقاق، يلاقي مضمون بيان نيويورك ومندرجاته. ورغم محاولات تتم منذ مدة لتعويم الاستحقاق الرئاسي، إلا أن مضمون البيان الثلاثي ولهجته حملا أكثر مما يحمله بيان وزاري مهما علا مستوى الموقعين عليه. ما قد يطرح أسئلة لدى الحزب حول خلفيات ما يرتسم في الأفق تجاه لبنان، في ظل سؤال مركزي عما إذا كان البيان توطئة لما هو أكبر وأشد تأثيراً. من هنا قد يصبح الذهاب إلى فراغ رئاسي يعبر عن مواجهة صامتة من نوع آخر مع المجتمع الدولي، في انتظار أن تتبلور اتجاهات الدول الثلاث حيال لبنان. وجاء تحديد الرئيس نبيه بري لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وإن كانت في إطارها الدستوري البحت، لتضيف لهؤلاء قناعة رد الثنائي على الحركة السعودية والبيان الثلاثي، بكونها صيغت في توقيتها وملابساتها من باب تعجيز القوى المعارضة لخوض معركة أو لجلسة انتخابية بالقدر اللازم من التوافق والمتابعة الجدية. وتوجه في الوقت نفسه رسالة مزدوجة للداخل والخارج عمن يملك حقيقة مفتاح الانتخابات.
ثمة مؤشرات تزداد وتيرتها من أن تكون فترة السماح للوضع الداخلي قد بدأت تستنفد نفسها
النقطة الثانية هي موقف حزب الله من الحكومة، وموقف الرئيس نجيب ميقاتي. فالحزب باتت له مصلحة أكبر في تفعيل الحكومة، عشية الذهاب إلى الفراغ، بما يؤكد مواجهته مع المجتمع الدولي الضاغط في ملف الرئاسيات، وهو من أجل ذلك يعيد برمجة خريطة طريق إلى نهاية العهد وما بعده في ضوء تطور الحركة الدولية المستجدة. لكن الكرة أصبحت في ملعب ميقاتي، الذي صار أمام خيار مواجهة طرفين: إما البيان الثلاثي وما يمثله الأطراف المعنيون به وارتداده عليه إذا ما قبل شروط تعويم الحكومة بدل تحويل الأنظار إلى رئاسة الجمهورية، وإما حزب الله إذا رفض تعويم الحكومة أو تطعيمها. وفي كلا الحالتين سيكون موقف ميقاتي أكثر دقة من السابق في ضوء احتمالات المواجهة التي قد تتحول من صامتة إلى صاخبة مع المجتمع الدولي، فكيف لحكومة مضعضعة في ظل فراغ رئاسي أن تتحمل أعباء مواجهات داخلية وخارجية، بدأت أولى الإشارات تنذر بأنها لن تكون سهلة. فثمة مؤشرات تزداد وتيرتها وتخشاها قوى المعارضة من أن تكون فترة السماح للوضع الداخلي قد بدأت تستنفد نفسها، قبل شهر من نهاية عهد الرئيس ميشال عون، ما يجعل الأيام المقبلة حتى نهاية العهد حافلة بالمفاجآت والتحديات في آن.