وكأنه مكتوب على قصور العدل أن تبقى مُقفلة وأن تبقى الملفات فيها مُعلّقة؛ بعد أقل من 48 ساعة على فك إضراب المساعدين القضائيين الذين اعتبروا أنهم نالوا جزءاً من مطالبهم عندما أقرّت الحكومة المساعدات لموظفي القطاع العام، تحوّل الحديث إلى إضرابٍ يُمكن أن يقوم به القضاة للمطالبة بتحسين رواتبهم بعدما تآكلت القيمة الشرائية لرواتبهم ومخصصاتهم، وصارت معاشاتهم بالكاد تكفي للذهاب إلى مراكز عملهم مرة أو مرتين أسبوعياً خصوصاً من يبتعد مقر سكنهم عن مراكز عملهم.

يستذكر القضاة حينما تم إبلاغهم بأنه سيتم احتساب رواتبهم وفق سعر صرف 8 آلاف ليرة لبنانية، لكن فرحتهم «لم تكتمل» إذ سارعت السلطة إلى توقيف العمل بهذه الآلية وغسلت يديها من القرار وكأنه لم يكن. ومن حينها، ينتظرون حلّاً لأزمتهم، إلا أن ذلك لم يحصل. وهم يعتبرون أنهم «تعرّضوا لخديعة من السلطة» التي بدلاً من أن تعمل على تحسين رواتبهم قامت بتحسين رواتب جميع موظفي القطاع العام وتم استثناؤهم من الحوافز. ولأن لا ثقة بهذه السلطة التي «غدرت بنا»، يتفق القضاة على رفض الحل المعروض عليهم بإمكانية صرف اعتماد 35 مليار ليرة لبنانية كسلفة خزينة، كتلك التي صُرفت لأساتذة وموظفي الجامعة اللبنانيّة. إذ إنّ هذه السلفة لن تكفيهم لأكثر من أشهرٍ، ولا ثقة إذا كانت السلطة ستؤمّن اعتماداً لهذه السلفة أو حتى ستكون مستمرّة في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية، معتبرين أنّها «محاولة لإسكاتنا وهي عملية خداع أُخرى لن تمر علينا». فالوعد بسلفة الخزينة هو أشبه بـ«دعسة في المجهول لن نخطوها، خصوصاً أن مستحقات الانتخابات النيابية التي وُعدنا بقبضها لم نتقاضاها بعد، فكيف لنا أن نشتري سمكاً في الماء؟».
ينظر القضاة بعين الحسد إلى الموظفين الآخرين، ويتساءلون: «هل يمكن للقضاة الذين كانوا يتمتعون بأعلى سلسلة رتب ورواتب في الجمهورية اللبنانية أن تصبح رواتبهم اليوم أقرب إلى رواتب موظفي الفئة الرابعة؟». البعض يجاهر بأنه لن يُمارس عمله بالراتب المُحتسب على سعر 1500 ليرة، فيما الكاتب أو المباشر الذي يساعده يتقاضى راتباً أعلى منه ويصل إلى سعر صرف 8 آلاف ليرة».
ولذلك، يناقش القضاة في ما بينهم للوصول إلى قرارٍ موحّد بشأن إعلان الخطوات التصعيدية بدءاً من تقديم إجازات من دون راتب وتقديم طلبات للاستيداع مروراً بالتمنّع عن قبض الرواتب وصولاً إلى الاعتكاف القضائي الشامل. البعض توقّف عن العمل منذ أول من أمس، فيما البعض الآخر ما زال متريثاً بانتظار ما ستؤول إليه الاتصالات بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى من جهة ورئيس الحكومة مراهناً على إمكانية التوصل إلى حل.
إذاً الحوار مفتوح على «الغروب» الخاص بالقضاة على «واتس أب» وعبر المحادثات الخاصة بين بعضهم لتحديد خياراتهم. يشير هؤلاء إلى أنهم سيتخذون قرارهم النهائي بإعلان التصعيد من عدمه الأسبوع المقبل بعد تحويل رواتب الموظفين «فإذا كانت المعاشات ما زالت نفسها، فسنكون مضطرين إلى اتخاذ القرار المر».