قُتِلت مريم فرحات داخل البيت الذي كانت تظنّه آمناً. قبل أن تموت في الكمين المسلّح الذي نصبه القناصون عند مستديرة الطيونة للتظاهرة التي كانت متجهة نحو قصر العدل، لم تكن مريم تفكّر في موتها. ربما كانت منشغلة في تحضير وجبة غداءٍ لأطفالها قبل أن تسبح بدمها.قُتِلت مريم برصاصةٍ لم تكن طائشة، ولا قضاء أو قدراً. كانت رصاصة مقصودة أطلقها قناص على رأسها مباشرة. قتلها بدمٍ بارد، غير آبه بيتم خمسة أطفالٍ، أصغرهم في الثالثة من عمره. بم كانت تفكّر مريم قبل أن تمزّق الرصاصة رأسها؟ هل كانت تفكّر بخوف أطفالها؟ بحياتهم في البلد الواقف على حافة حربٍ أهلية؟ هل فكّرت أصلاً بأنها ستكون واحدة من أولئك الذين سيصيرون شهداء كمين الطيونة المسلّح؟
لم يعد مهماً الآن بماذا كانت تفكّر، فما يهم يُتم الخمسة، ويتم أطفالٍ آخرين فقدوا آباءهم وأمهاتٍ فقدن أبناءهن أمس في الحرب التي دارت على حين غفلة. مريم و6 شبابٍ آخرين هم علي إبراهيم وحسن نعمه وحسن مشيك ومصطفى زبيب ومحمد السيد ورامي زعيتر، فقدوا حياتهم أمس عند «دوّار» الطيونة. لم يكن أمس يوماً عادياً في حياة العائلات التي فقدت أبناءها، فقد استبدل هؤلاء مكان إقامتهم بطوارئ المستشفيات حيث كانوا ينتظرون خبراً عن أبنائهم «يردّ القلب»، كما كان يقول أحد أقارب الضحايا، قبل أن يأتيه الخبر المفجع.
أمام مدخل طوارئ مستشفى الساحل كان الحزن فائضاً. وجوه شاحبة متعبة من البكاء، وأخرى تنتظر خبراً عمّن أدخلوا لتوّهم إلى غرف العمليات. وسط هذا كله، كانت أم الشهيد حسن مشيك تهيم بين الناس وتلوّح بطرف لباسها الأسود صارخة «يا حسن يا إمي». تخرج ثم تعود إلى داخل الطوارئ في محاولة للنجاة بخبرٍ آخر، من دون جدوى، وتستعيد ابنها حسن «يا حسن يا آدمي يا إبني». كان صوتها قاتلاً، وهي التي فقدت للتوّ عزيزاً، فيما آخرون يبكون لبكائها وينتظرون خبراً عن جرحاهم.
غالبية إصابات شهداء وجرحى كمين الطيونة في الصدر والكتف


في صالون طوارئ مستشفى الساحل الذي كان مقصداً لمعظم أهالي الجرحى، لكونه المستشفى الأقرب إلى أرض «المعركة»، كان الصخب كبيراً. عائلات بأكملها وممرضون وأطباء تركوا على الأرجح طوابق المرضى والتحقوا بطاقم الطوارئ لإسعاف الجرحى الذين وصلوا إليها. أما في الخارج، فقد أقفلت الطريق الفرعية التي تمرّ بجانب المستشفى، بعدما امتلأت بالناس. كانت حال الواقفين هناك تشبه غضب البلاد في تلك اللحظة. صراخ وبكاء وقصص تروى بصوتٍ عالٍ عما يحدث عند مستديرة الطيونة وعن حياة الشهداء الذين سقطوا. شاب يروي آسفاً حكاية ابنة مريم التي اضطر «شوفير» باص المدرسة أن يتركها في المدرسة في انتظار أن يأتي أحد من أفراد عائلتها أو أقاربها كي لا تصدم بوفاة أمها، وتلك تخبر عن شعور أبناء الشهداء عندما يعرفون بموت آبائهم. قصص كثيرة كانت تروى هناك، وستروى بعد عن شهداء الكمين المسلّح، إضافة إلى ما سيرويه الناجون أيضاً عما عاشوه عند «الدوار»، حيث «كان الرصاص ينهمر فوقنا كالمطر»، كما يشير أحد الجرحى الذي تلقى رصاصتين، واحدة في كف يده والأخرى في قدمه. لا يزال هذا الأخير تحت تأثير الصدمة، ويقول «كانوا قاصدين يقتلونا، كانوا عم يقوصوا الرصاص علينا مش بالهوا». وأكدت مسؤولة الطوارئ في المستشفى مريم حسن أن «إصابات الشهداء كانت 3 في الرأس وواحدة في القلب مباشرة، وكذلك الحال بالنسبة للجرحى، حيث كانت في معظمها في منطقة الصدر والكتف وبعض الحالات في اليدين».
حتى ليل أمس، وصل عدد الشهداء إلى سبعة وما يقرب من ثلاثين جريحاً، على ما يقول أمين عام الصليب الأحمر اللبناني، جورج كتانة، توزّعوا على مستشفيات الساحل والرسول الأعظم وأوتيل ديو وجبل لبنان والسان جورج والزهراء وبهمن.
أما العدد الأكبر من المصابين، فنقل إلى مستشفى الساحل الذي استقبل 21 إصابة: 4 شهداء هم حسن مشيك ومصطفى زبيب ومحمد السيد ومريم فرحات، و17 جريحاً غادر منهم 14، فيما بقي ثلاثة آخرون استدعت حالاتهم الحرجة خضوعهم لعمليات جراحية. وإلى مستشفى بهمن نقلت 7 إصابات: شهيد هو علي إبراهيم و6 جرحى بقي 4 منهم في المستشفى. وإلى مستشفى الرسول الأعظم نقل الشهيد حسن نعمه و4 جرحى، وإلى الزهراء جريح واحد. فيما نقل إلى مستشفى جبل لبنان جريحان و4 آخرون إلى مستشفى أوتيل ديو، غادر ثلاثة منهم.
أما الجرحى الذين احتاجوا للعلاجات في المستشفى فهم: محمد كركي، علي حمود، علي جزيني، أحمد حسين، حسين عاشور، هاشم المقداد، عباس زعيتر، محمد الريس، علي حجازي، علاء زعيتر، حسن محمود، علي ضاحي، أحمد عواضة، محمد تامر، محمد رميتي، علي عناني، محمد فاضل، علي عقيل، علي جزيني، عماد سكرية، حسن فقيه، محمد زعيتر، علي كمال، إدي عبدالله، إيلي حداد، جورج هاشم، فرانسوا شبلي، سالم منصور.