منذ فترة، يسوّق حاكم مصرف لبنان لرقم الـ400 مليون دولار كمبلغ متبقٍ للاستيراد. وبعدما ابتلع الناس والمعنيون الطعم، أصدر الحاكم نفسه، أول من أمس، بياناً رسمياً أعلن فيه عن المبلغ المذكور الذي يفترض أن يسدّد منه اعتمادات وفواتير الأدوية ومستوردات أخرى. هكذا، حسم سلامة الأمر، ونسف كل ما قاله سابقاً حول الدعم المزعوم للدواء، إذ يعدّ هذا البيان بمثابة صافرة الانطلاق نحو المرحلة المقبلة التي سيكون عنوانها رفع الدعم عن الدواء. ما تعنيه تلك الـ400 أن مقولة «لا رفع للدعم عن الدواء» باتت في خبر كان، حيث يفترض من الآن وصاعداً تغيير الخطط والبدء بالتحضير للمرحلة الجديدة.إلى الآن، لم يصدر عن وزارة الصحة أي ردّ على البيان، باستثناء انتظار الأخيرة للمصرف كي يقرّر ما هو المبلغ المرصود للدواء من بين «المستوردات الأخرى» للبناء على الشيء مقتضاه. لكن، في الوقت الذي تنتظر فيه الوزارة هذا الأمر، ينتظر مصرف لبنان هو الآخر لائحة تحديد الأولويات من الوزارة. وهذه لعبة مستمرة منذ نحو شهر، فلا المصرف مستعدّ لصرف فلسٍ واحد، ولا الوزارة خرجت بتلك اللائحة، إذ إنه حتى هذه اللحظات لم تتفق على صيغة نهائية للأدوية المدعومة، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. ما هو محسوم حتى اليوم في تلك الورقة هو فقط العناوين العريضة التي تتعلق بشمول الأدوية المزمنة والمستعصية والسرطانية والبنج ولقاحات الأطفال. أما ماذا تشمل تلك العناوين؟ فلا شيء جاهزاً حتى يقرر حاكم مصرف لبنان التوقف عن «اللعب بسمانا»! وما يقوله هؤلاء يلمح له عراجي، انطلاقاً مما لمسه خلال الفترة الماضية في التواصل مع المصرف المركزي، حيث «أن الوعود لم تكن شفافة».
إلى الآن، ثمة شكّ في ما يقوله سلامة، ولو صدر بيان رسمي، فبحسب المصادر «في اللحظة التي يقرر فيها مصرف لبنان قيمة المبلغ تحضر اللائحة، وما عدا ذلك لا يمكن التكهن». وعلى المقلب الآخر، خرج وزير الصحة، حمد حسن، في لقاء تلفزيوني ليعيد التأكيد على أن المبلغ المتفق عليه مع مصرف لبنان هو 50 مليون دولار شهرياً، وأن «مصلحة الصيدلة في الوزارة تنسق مع المصرف لفرز الأدوية ووضع القوائم، بانتظار أن يعطي الأخير أوامره لإصدار التحويلات للشركات»، من دون أن يملك حسن إجابة دقيقة حول موعد الصرف.
هناك ما لا يقل عن 40 في المئة من الأدوية الموجودة في لبنان التي لا تتحرك عن رفوف الصيدليات


يحدث ذلك، فيما الأدوية تُفقد واحداً تلو الآخر، ومعظمها أدوية أساسية، منها على سبيل المثال أدوية السرطان التي فقد منها حتى الآن 99 دواء دفعة واحدة، معظمها بلا بدائل، كما أدوية أمراض أخرى من الضغط إلى السكري إلى القلب. وليس متوقعاً أن يتوقف عداد فقدان الأدوية، في ظل توقف المستوردين عن تأمين الدواء، وتقاعدهم تالياً عن التوزيع، على ما تقول نقابة الصيادلة وغيرها من المعنيين. وفي هذا السياق، يلفت نقيب الصيادلة غسان الأمين إلى أنه منذ أسابيع لم يتسلم الصيادلة معظم الأدوية، «وباتت معظم الرفوف فارغة، وما في دوا». أما نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، فيردّ فقدان الدواء من السوق «إلى انتهاء خزين المئات من الأدوية وقرب انتهاء خزين مئات الأدوية الأخرى أواخر الشهر الجاري، فيما الشركات العالمية تمتنع عن تسليمنا شحنات جديدة لأنها لم تقبض عن الفواتير الماضية». بسبب ذلك، يبرّر المستوردون الأزمة الحاصلة اليوم.
إلى ذلك، تجرى نقاشات داخل الوزارة بالتعاون مع نقابة الصيادلة حول كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة. وبحسب الأمين، تعمل الوزارة اليوم «على خطين»، أولهما العمل على تحديد أولويات المواطنين من أدوية تبعاً لحاجة السوق، وثانيهما التهيؤ نفسياً وعملياً لمرحلة ما بعد رفع الدعم. وقد طرحت بعض العناوين في هذا السياق، منها العمل على تشريع فتح باب الاستيراد والتسجيل الطارئ لأدوية من مصادر مختلفة للمساهمة في حل الأزمة، وهي في معظمها أدوية «جينيريك» ذات فعالية وبأسعار مقبولة، والتخفف شيئاً فشيئاً من أكلاف «البراند»، ما يفتح المجال «أمام مستوردين جدد وأصناف أدوية أقل كلفة وتحمل فعالية الدواء الأصلي». وهذا يفترض عملياً التحول نحو مفهوم جديد من العمل «أي التركيز على التركيبة العلمية للدواء لا على اسمه التجاري الذي يستحوذ في بعض الأحيان على ثلاثة أرباع السعر»! ومن المقترحات أيضاً اتخاذ القرار بمنع استيراد أدوية ينتج منها لبنان، وهي كثيرة. ماذا بعد؟ بحسب عراجي، الذهاب نحو إلغاء عدد من الأدوية أو تجميدها «لكونها ليست لازمة، وهي تقرب من 700 إلى 800 دواء». وهذه تفترض وجود إرادة فقط، إذ إنه بحسب مصادر وزارة الصحة، هناك «ما يقرب من 40 في المئة من الأدوية لا تتحرك عن رفوف الصيدليات». فما الذي يحول دون اتخاذ القرار بتجميدها؟