«ترشيد الدعم» على المواد الأولية بات ــــ في حسابات الحكومة ومن هم في السلطة ــــ «شرّاً لا بدّ منه» على أن يجري تخدير المواطنين مرة جديدة بوعود ومشاريع غير قابلة للتحقق ولا منفعة للفرد منها من دون سلّة تشريعات متكاملة تساهم في إعادة إنهاض الاقتصاد. في هذه المسألة نفسها، تدخل جلسات لجنة التجارة والاقتصاد لمناقشة اقتراح قانون المنافسة وإلغاء الوكالات الحصرية الذي تقدمت به كتلة الوفاء للمقاومة (الاقتراح أعدّه سابقاً وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش وأدخلت عليه الكتلة تعديلات).
(مروان طحطح)

لكن مسار النقاشات داخل اللجنة يؤكد أن الاحتكارات المحمية من الدولة وسياسييها لا تزال أقوى من المصالح العامة، رغم كل الانهيار المالي والاقتصادي. فثمّة من لا يربط بين رفع الدعم وضرورة إقرار قانون لمكافحة الاحتكارات بالتوازي، والنتائج الكارثية التي ستصيب السوق في حال رفع الدعم وترك تحرير الأسعار بأيدي المحتكرين. وهؤلاء يملكون من الوقاحة ما يكفي، ليصرخ ممثلهم، رئيس «الهيئات الاقتصادية» الوزير السابق محمد شقير، في اجتماع اللجنة يوم الأربعاء الماضي، بأن «قانون المنافسة لن يمر في السياسة ولا في الاقتصاد». وشقير واثق مما يقوله، بدليل أن القانون يدور منذ عشرات السنوات ما بين مجلس النواب ومجلس الوزراء من دون أن يحظى بغالبية لتمضي به قدماً. فالمحتكرون وأصحاب الوكالات الحصرية ليسوا سوى وزراء ونواب وزعماء طوائف وأحزاب ورجال أعمال يدورون في فلكهم أو يتزعّمونهم. هم الدولة. أما تركيز شقير في حديثه، فتمحور حول قيمة الوكالات الحصرية اليوم التي قدّرها بمليار ونصف مليار دولار، ما يعني أن أصحابها سيخسرون هذا المبلغ في حال إلغائها.
أكثر من ذلك، قرّر شقير بعدما قاد ثورة «الواتساب» أن يقود ثورة المسيحيين هذه المرة. فاحتدّ وحده على ما يمكن أن يتسبب به هذا الأمر من «هجرة للمسيحيين مترافقة مع ثورة طائفية لأن 85% من الوكالات يملكها مسيحيون». حدث ذلك فيما النواب المسيحيون الحاضرون للجلسة تكلّموا بعكس ذلك ومنهم النائب ألان عون. رأى الأخير أن إقرار قانون المنافسة يفيد الاقتصاد. بقي وزير الاتصالات السابق على موقفه. لاقته النائبة في تيار المستقبل رولا الطبش التي أكدت ضرورة فصل اقتراح إلغاء الوكالات الحصرية عن اقتراح قانون المنافسة. يريد تيار المستقبل إقرار قانون للمنافسة مع الحفاظ على الاحتكارات، ما يعني فعلياً إفراغ القانون من مضمونه. بدعة شقير وطبش، استدعت تدخلاً من النائب حسين الحاج حسن، أشار الى أن وظيفة المجلس النيابي ليست التشريع للطوائف، وطلب سحب جملة شقير لأن الأهمية اليوم هي مصلحة المجتمع والمستهلك.
يريد تيار المستقبل إقرار قانون للمنافسة مع الحفاظ على الاحتكارات!


إذاً، القانون لن يمرّ بأمر من المحتكرين. وإنْ مرّ، فسيسعى هؤلاء الى تطويعه لمصلحتهم. التاريخ يعيد نفسه، كما أشار رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، الذي حضر الجلسة، ممثلاً المستهلكين. إذ سبق أن رفض لبنان تنفيذ الاتفاقية الموقّعة بينه وبين الاتحاد الأوروبي لإلغاء الوكالات الحصرية. هكذا، غالبية السلع بقيت أغلى ثمناً من باقي الدول المجاورة، بنسبة 30%، بحسب برو. حتى المواد الغذائية ومساحيق تنظيف المنزل التي لا تخضع للاحتكارات، محتكرة بفضل اتفاقات باطنيّة بين مجموعة من التجار، ما يساهم برفع أسعارها وعدم السماح بتوفّر بدائل إلا بالثمن نفسه. الدواء أخذ حيّزاً كبيراً من النقاش مع اقتراح «ترشيد دعمه» بنسبة 54%، والإبقاء على الاحتكارات الهائلة لعدد من الشركات المتسلّحة بالقانون لفرض أسعار خياليّة تصل الى 5 أضعاف سعر الدواء نفسه في بلد المنشأ. المعادلة نفسها تصحّ في قطاع السيارات. جمعية حماية المستهلك أجرت مقارنة بين أسعار السيارات في لبنان وغيره من الدول ليتبيّن أن البيع محلّياً يتم بزيادة 30%. كل ذلك بفضل الوكالات الحصرية التي منحتها الدولة لمجموعة محظيين حتى يحتكروا سلعة معينة وماركة معينة ويراكموا ثروات مقابل إفقار المواطنين. يحدث ذلك فقط في لبنان. ويجمع الخبراء الاقتصاديون وجمعية حماية المستهلك على أن أي رفع للدعم في ظل الاحتكار وغياب المنافسة سيضاعف الكارثة الاقتصادية على الناس. طالبت الجمعية منذ عام ونصف عام بإلغاء الوكالات وفتح الأبواب أمام اللبنانيين في الخارج لدخول السوق اللبنانية وتحريك الاقتصاد ورفده بالدولارات. المافيا الاحتكارية كانت أقوى ولا تزال.
حتى الساعة، يمنع المحتكرون تطوير المشاريع الإنتاجية وتوسيع السوق وتحرير الاقتصاد فعلاً حتى تبقى نسبة الـ 85% من الاستهلاك محتكرة، بما يسمح لهم بمراكمة الثروات على حساب الاقتصاد والمجتمع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا