كانَ واضحاً منذُ الأسابيع الأولى لمحاولة دخوله إلى الساحة السياسية في لبنان، أن بهاء الحريري لا يستِند إلى رُكن سياسي أو شعبي أو تنظيمي شديد. كل المعطيات التي أحاطت بقراره المُفاجئ تقاطعت عند عدم وجود حاضنة إقليمية له. ممّا لا شك فيه أن ثمّة من «شجّعه» على الخطوة، وهذا التشجيع قد تكون وراءه دولة الإمارات العربية المتحدة، غير أنه تشجيع غير مقرون بأي مساعدة مالية أو مشروع كبير، من شأنه أن يُطيح ما راكمه شقيقه سعد الحريري على مدى 15 عاماً. ولأنّ بهاء لا يعرِف من لبنان أكثر من اسمه، ولا هو على بيّنة بالزواريب التي يجب سلوكها، اقتصرَ فريق عمله على هواة لا تجمعهم سياسة واحدة، ما أدى إلى فشل المشروع سريعاً. وآخر فصول هذا الفشل، هو إعلان بهاء الحريري بعد 8 أشهر، انفصاله عن «المنتدى السياسي الاقتصادي الاجتماعي» الذي يرأسه المحامي نبيل الحلبي الموجود في تركيا.إعلان الانفصال أتى بعدما أعلن مدير المنتدى في البقاع الغربي، أمير أبو عديلة، استقالته من المنتدى، لأسباب قال عبرَ صفحته على «تويتر» إنها «شخصية»، مؤكداً بقاءه على «نهج الرئيس رفيق الحريري». وفتحت هذه الاستقالة الباب على الكثير من الأسئلة عن دور لتيار «المستقبل» في هذه الاستقالة، وخاصة أن أول المرحّبين بها كان رئيس جمعية «بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية، المقرّب من رئيس التيار، ما دفعَ بأبو عديلة الى التوضيح مؤكداً أن «الاستقالة لا تعني بتاتاً انضمامي أو تأييدي أو انتسابي بأيّ شكل من الأشكال لأيّ حزب ضمن منظومة الفساد».
وأمس، أصدر المنتدى بياناً رسمياً أكد فيه «استقلال مشروعه عن رَجُل الأعمال الشيخ بهاء الدين الحريري»، وذلِك بسبب «تبايُن في وجهات النظر حول مقاربة بعض القضايا، حيث فضّلنا الحفاظ على استقلالية عملنا، تجنُّباً لأيّ تقييد لقناعاتنا السياسيّة ولنشاطنا التنظيمي. وبالمقابل آثرنا أن لا نُحمّل الشيخ بهاء ما قد لا يُطيق، نتيجة قناعات راسخة قامت عليها المنتديات منذ عام 2018».
البلبلة بين بهاء الحريري والمنتديات أتت بعد أيام على تكليف شقيقه تأليف الحكومة


وكان لافتاً أن البيان ركّز على فكرة أن «التباين لا يمُتّ إلى صراع المحاور الإقليمية بأيّ صلة كما أراد أحد مستشاري الشيخ بهاء الحريري الإيحاء به (المقصود هو جيري ماهر) لغايات تسويقية خاصة بصاحبها. كما لا يمتّ إلى موضوع وقف الدعم المالي عن المنتديات الذي أُثير في اليومين الماضيين، علماً بأنّ الدّعم المالي متوقّف عن المنتديات منذ شهرين، كما انقطع لمدة شهر كامل في فترة الحظر العالمي بسبب انتشار فيروس كورونا، ومع ذلك بقيت المنتديات ناشطة ولم تتأثّر».
هذه التبريرات ارتبطت بالجو الذي أشيع عن أنّ الحلبي يحمِل مشروعاً تركياً ــــ قطرياً، بينما تربط بهاء الحريري بالإمارات والسعودية علاقات ومصالح، علماً بأن أيّاً منهما لم يحظَ بأيّ دعم علنيّ. كما حُكي عن أن هذا الانفصال جاء نتيجة «اختلاسات مالية»، إذ إن الأموال التي كان يدفعها (بهاء) الى المنتدى لم تكُن تُصرف كلها، أو جزء كبير منها اختفى، وهو ما نجم عنه سوء إدارة داخل المنتدى وخلافات تنظيمية وشحّ في المساعدات التي كان من المفترض أن توزّع على مواطنين لدفعهم الى تأييد بهاء ضد سعد.
واللافت أن هذه البلبلة أتت بعد أيام على تكليف الحريري تأليف الحكومة، وهو ما دفع إلى الربط بين الأمرين. إذ يُمكن أن تكون الجهة التي شجّعت بهاء على دخول الحياة السياسية قد نصحته «بالتنحّي» مؤقتاً طالما أن لا فرصة لديه الآن، لكن الأكيد أن «الأذرع التي حاول من خلالها بهاء أن يتمّدد الى داخل الساحة اللبنانية لا قدرة لديها على مساعدته».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا