«نحن هنا كأفراد وليس كحزبيين» تقول رومية، مسارعة إلى قطع الطريق أمام إسقاط الانتماءات الحزبية على ساحة صور. مع ذلك، ليس سراً انتماء البعض إلى قوى يسارية ووطنية، ولا سيما الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري. لكن الغالبية تنتمي إلى «حزب المستقلين»، ولا سيما الناشطين في جمعيات أهلية ومدنية، ومنهم المنتمون إلى عائلات تناصر أمل وحزب الله. لا قيادة محددة المعالم هنا. «العفوية الشعبية حكمت تحركنا منذ اللحظة الأولى»، قالت إحدى الناشطات. برغم بروز أسماء لمجموعات في بداية الحراك منها «شباب صور» و«نبض صور»، إلا أن «الحضور» في الدوار «رسا أخيراً على أسماء أشخاص يبرزون في تنظيم الأنشطة أكثر من سواهم بسبب وجودهم الدائم». على مدى 45 يوماً، تجذّرت الصورة اليسارية لـ«انتفاضة صور»، بشعاراتها ومقارباتها وضيوف الندوات الأسبوعية والأنشطة التضامنية مع فلسطين والمقاومة وإحراق العلمين الإسرائيلي والأميركي.
نُظِّمت في الدوّار أنشطة تضامنية مع فلسطين والمقاومة، وأحرق العلمان الإسرائيلي والأميركي
ليس هيناً الصمود عند الدوار في وجه البحر بعد تبدل الطقس. كذلك لم يكن هيناً الصمود وسط محيط تؤيد أكثريته قوى يهاجمها أهل الدوار. منذ البداية، التزم المتظاهرون بحساسية الأرض. لم تسجل هتافات أو لافتات تصوّب بشكل مباشر على الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله. حتى شعار «كلن يعني كلن» لم يكن جامعاً، فكان مصيره الوأد، إما تجنباً للاعتداءات، أو لخطر إزالة الخيم كلياً. مراعاة الأكثرية أدت إلى الموافقة سريعاً على فتح الطريق المحيطة بالدوار بعد أيام قليلة من بدء الحراك والتموضع في المساحة الدائرية الضيقة التي لا تحتاج إلا إلى «ميكروفون» واحد خلال الأنشطة. لطالما كانت صوَر برّي متلازمة مدينة صور التي تعدّ «العرين» الأوفى لحركة أمل. بشكل مطرد، رُفِعَ المزيد من الصور الضخمة في المباني المحيطة بساحة الاعتصام. لم تعد الصور رسائل انتماء تذيّل بأسماء النافذين وأصحاب المصالح وحسب، بل أصبحت أيضاً رسائل مزايدة بوجه المعترضين لقمعهم وحصارهم ليدركوا أنهم موجودون في المكان الخطأ. آخر ابتكارات التضييق، بروز خطاب مناطقي روّج له معارضو الحراك. كثير من المتظاهرين يأتون من بلدات صور وبنت جبيل والزهراني. فبرز من الصوريين من يقول: «من غير المسموح لأبناء الضيع أن يتحدثوا باسمنا. فليعترضوا في بلداتهم».
ليل الاثنين الفائت، نجا المتظاهرون من ثاني هجوم نفّذه أشخاص حملوا رايات حزب الله وحركة أمل. لم يضربوا الموجودين في الخيم، لكنهم شتموهم وهددوهم وحطّموا خيماً وأحرقوا أخرى. وعلى غرار الاعتداءات السابقة، تبرّأ الحزب وأمل من المعتدين. وبشكل لافت، بادر مسؤولون محليون في الثنائي إلى فض الاعتداء وتفريق المهاجمين. هذه المرة، اكتفى المهاجمون بحمل العصيّ والحجارة. في المرة السابقة، في اليوم الثالث لبدء الحراك، كانت الدوشكا والكلاشينكوف سيدَي الموقف. حينها، استطرد عدد من الشبان في ختام تجمّع مؤيد بري، فعمدوا الى ملاحقة المتظاهرين والتجول بعرض مسلح سيّار وراجل في أرجاء المدينة.