في مقابلته التلفزيونية الأولى، أطلّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، عبر موقع الإمام الخامئني، ليُشَرِّحَ بعضاً من جوانب حرب تموز 2006، كاشفاً عن تفاصيل وأحداث عاشها مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والشهيد القائد عماد مغنية خلال فترة 33 يوماً من العدوان الصهيوني على لبنان.ولعلّ أبرز ما كشفه سليماني، في المعنى التاريخي للحرب من وجهة نظر الصهيونية التوسعيّة، هو تخطيط الكيان لتهجير سكّان الجنوب اللبناني وإحداث فراغ ديموغرافي في منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني، على شاكلة التهجير الواسع الذي تعرّض له الفلسطينيون على يد العصابات اليهودية في ثلاثينيات القرن الماضي.
وأكّد قائد فيلق القدس أن الكيان الصهيوني كان قد أعدّ خطة للهجوم المباغت هدفها القضاء نهائياً على حزب الله وإحداث تغيير ديموغرافي، مستفيداً من عاملين: الأول أن الأميركيين كانوا قد أحضروا إلى المنطقة مئتي ألف جندي، «وهذا الوجود يوفر فرصة مناسبة للكيان الصهيوني. وكان من المفترض أن يكون لهذا الوجود تأثيره في إخافة إيران وسوريا وشلّهما بحيث لا تستطيعان القيام بشيء». وقال إن تحرك الكيان الصهيوني كان على أساس هذا التصور، خصوصاً أن «الحكومة الأميركية آنذاك كانت حكومة بوش الإبن».
وتحدّث سليماني، بشغف، عن عمليّة أسر الجنديين الاسرائيليين التي أدّت الى عدوان تموز، وعن دور مغنية في الحرب، قائلاً إنه «لواء... كان فوق هذه الكلمة في الأعراف العسكرية. كان لواءً في ساحة الحرب يملك صفات أشبه ما تكون بصفات مالك الأشتر». واشار الى أن حزب الله «حوّل كل نقطة في الجنوب إلى ساتر أول، معطياً مفهوماً جديداً للحروب». وذكّر بأن «قدرة المقاومة أخرجت أجنحة من قوات العدو من دائرة التأثير في الأيام الاولى من الحرب، كما حصل مع سلاح البحرية بعد استهداف البارجة ساعر 5 بصاروخ مضاد للسفن وإعلان (نصرالله) الأمر مباشرة على الهواء».
سليماني لفت إلى أن «حزب الله مشتبك مع عدو لا يمكن التصالح معه. الحزب من الناحية العقائدية والمنطق السياسي لا يمكنه التصالح مع هذا العدو ، والعدو أيضاً لا يريد الصلح مع حزب الله، لذلك فإن العداء بين الجانبين عداء مستمر، وحزب الله جاهز دائماً وباستمرار من الناحية الدفاعية (...) بأقصى الدرجات ومئة في المئة، وليست جاهزيته من قبيل الجاهزيات التي ترتفع تدريجاً. حزب الله كان يومذاك (إبان عدوان تموز) في جاهزية تامة، واليوم أيضاً جاهزيته تامة، بيد أن نوعية هذه الجاهزية تختلف من فترة إلى أخرى بسبب الإمكانيات والقدرات».
سليماني أكّد أنه أمضى معظم أيام الحرب في لبنان، وكان يلتقي، بشكل يومي، السيد نصرالله ومغنية. وهو زار طهران مرتين، خلال 33 يوماً، أطلع خلالهما السيد علي خامئني والقيادة الإيرانية على مجرى الحرب. وقال إنه، في زيارته الأولى، لم يضع قائد الثورة الإسلامية في أجواء أي انتصار، إلّا أن خامئني تحدّث واثقاً عن الانتصار، مشبّهاً الحرب بمعركة الخندق، وهي محطة دينية مهمّة في سيرة الرسول محمد والدعوة الإسلامية، انتصر فيها الرسول على رغم الصعاب. وشدّد على أنه «كانت هناك وحدة تامة في الجمهورية الإسلامية حول دعم حزب الله والسعي لانتصاره. لم يكن هناك شخص يشكك في ذلك في تلك الفترة».
أقنعنا، أنا وعماد، السيد نصرالله بصعوبة بالخروج من مبنى معرض للقصف الى آخر


وكشف القائد الايراني عن تفاصيل حول تنقلّه مع السيد نصرالله ومغنية، لوحدهم، في الضاحية الجنوبية لبيروت أثناء القصف. واشار الى حادثة لافتة، فـ«ذات ليلة كنا في غرفة العمليات، وكان جميع مسؤولي إدارة الحرب في تلك الغرفة العادية. قصف الاسرائيليون المباني المجاورة لنا ودمروها. حوالي الحادية عشرة مساء، شعرت بأن هناك خطراً جدياً يهدد حياة السيد نصر الله، فقررت أن ننقله إلى مكان آخر. تشاورنا أنا وعماد، ولم يوافق السيد إلا بصعوبة، ليس على الخروج من الضاحية، وإنما من المبنى الذي كنا فيه بسبب تردد بعض الأشخاص عليه باستمرار، في وقت لم تكن المسيّرات الاسرائيلية تتوقف عن التحليق فوق رؤوسنا. انتقلنا الى مبنى آخر لم يكن يبعد كثيراً، وبمجرد دخولنا اليه حدثت عمليات قصف استهدفت أماكن مجاورة. انتظرنا هناك، فتجدّد القصف ودُمّر جسر مجاور للمبنى الذي كنا فيه. شعرنا أن موجتي القصف ستعقبهما موجة ثالثة قد تستهدف المبنى الذي كنّا فيه، ولم يكن في المبنى سوى ثلاثة أشخاص: أنا والسيد نصر الله وعماد. خرجنا، نحن الثلاثة، من المبنى وكانت الضاحية مظلمة تماماً والصمت يخيم عليها بالكامل، باستثناء أصوات طائرات الكيان الصهيوني فوق سماء الضاحية. قال عماد لي وللسيد: إجلسا تحت هذه الشجرة. ذهب وأحضر سيارة وعاد بسرعة. ربما لم يستمر الأمر أكثر من دقائق. كانت طائرات الـ MK تحلق فوق رؤوسنا وتركز علينا. عندما وصلت السيارة صارت الطائرات تركز عليها. استغرق الأمر وقتاً حتى استطعنا الانتقال من مخبأ تحت الأرض إلى آخر تحت الأرض، وبعدها الانتقال بهذه السيارة إلى مكان لا يمكن ذكره الآن، من أجل أن نخدع العدو. ثم عدنا حوالي الثانية فجراً إلى غرفة العمليات مجدداً».