لم يؤثر نشر اعترافات الشيخ عمر الأطرش الموقوف لدى الجيش على تحركات الفلسطيني نعيم عباس، الذي منحته الاعترافات صفة «العقل المدبر للعمليات الإرهابية التي وقعت أخيراً». إذ إن نعيم إسماعيل عباس، يتخذ منذ سنوات عدة إجراءات أمنية مشددة في محيط منزله في حي حطين في عين الحلوة. لا يتنقل في المخيم بشكل اعتيادي.
وفي الحي لا يتحرك بشكل ظاهر. يحكم بقبضة أمنية حديدية على مرافقيه والمحيطين تحسباً لاختراق أحدهم من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية واللبنانية والخارجية. لا تتوافر صور حديثة للرجل الأربعيني الذي لا يستخدم الهواتف الخلوية خشية من التنصت. كل هذا لأن «أبو اسماعيل» يعتبر نفسه المطلوب رقم واحد. ليس لدى الجيش أو حتى الاستخبارات الأميركية، بل لدى ... العدو الإسرائيلي. لا ينفك في مجالسه يخبر أن إسرائيل تريد اغتياله. ويعيد السامعين إلى اعترافات عميلي الموساد محمد عوض وروبير كفوري الموقوفين منذ عام 2009، اللذين حضّرا مع العميل الفارّ الياس كرم، محاولة اغتيال عباس بعبوة داخل المخيم قبل ذلك بعام. لا يتوانى عن تقديم محاضرات عن مخاطر المشروع الصهيوني ومخططات العدو ضد القضية الفلسطينية والعرب والمسلمين. ويعترف، بفخر، بصحة الأحكام الصادرة بحقه من قبل القضاء اللبناني بتهم إطلاق الصواريخ من الجنوب نحو فلسطين المحتلة. ويقول إنه ضد التدخل في الشؤون الداخلية وإقحام المخيمات في الأزمات اللبنانية، وإنه يتمايز عن تنظيم القاعدة الذي ينتمي إليه، برفض التفجيرات في أهداف مدنية.
أحد رجال «القاعدة»، بدأ حياته العسكرية في صفوف حركة فتح، قبل أن ينتقل إلى حركة الجهاد الإسلامي التي تلقى معها دورات تدريبية عسكرية عالية المستوى. أمضى أكثر من عامين في مكتب الحركة في مخيم اليرموك قرب دمشق. وفي النصف الثاني من التسعينيات، أوقفته الأجهزة الأمنية اللبنانية بعد مشاركته في إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنه احتمى بالجهاد. بعد عام 2000، عاد إلى عين الحلوة. ترك حركة الجهاد، لينضم على نحو تدريجي إلى «القاعدة». حالياً، يعدّ قريبه نعيم النعيم الموجود بدوره في المخيم من أبرز مساعديه والمنظّرين لفكره المتشدد.
في عين الحلوة، حبس كثيرون أنفاسهم بعد نشر الجيش اعترافات الأطرش التي كانت لابن المخيم الحصة الأكبر فيها. يسود جدل حول ما إذا كانت صحيحة ومنطقية أم افتراءات من نسج الروايات البوليسية. مهما يكن، لا يختلف اثنان على أن بعض ما يشاع عن عباس صحيح. في أوساط الجهاديين و«القاعدة»، يعرف بـ«أبو اسماعيل»، الاسم الذي يتردد كثيراً بين إخوانه من سجن رومية إلى كامد اللوز حتى سوريا. مصادر مطلعة من داخل المخيم، أشارت إلى أنه قلص من تحركاته إلى خارج عين الحلوة إلى الحد الأدنى منذ انتشار اسمه بعد تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية في شهر آب الفائت. أما بعد اعترافات الأطرش، فقد زاد من الاحتياطات الأمنية، مرجحة أن يتحول بعد مدة إلى «الرجل الخفي» على غرار أمير «فتح الإسلام» شاكر العبسي. وبحسب المصادر، يتردد في أوساط المقربين منه توجه لاختفائه الكلي عن الأنظار تحت ستار ما، قد يكون «نيله الشهادة في سوريا» على سبيل المثال. وذلك هرباً من تعقبات الأجهزة الاستخبارية التي تركز اهتمامها حوله في الآونة الأخيرة لاعتقاله، كما فعلت مع ماجد الماجد وجمال دفتردار.
بعيد الرويس، نقلت «الأخبار» عن مصدر أمني أن عباس خرج من عين الحلوة قبل التفجير بيوم واحد وبقي خارجه لساعات، قبل أن يعود متخفياً بطريقة عبر أحد المسارب. وكان قد حلق لحيته وغيّر في شكله الخارجي. وتردد أنه خرج خلال شهر رمضان ومكث حوالى ثلاثة أيام قبل أن يعود. وقبلها، غادر منتصف أيار الفائت أي قبل حادثة إطلاق صاروخين على الضاحية، وبقي خارجه لأسابيع قبل أن يعود منتصف تموز. ومن المعلوم لدى الأجهزة الأمنية أن كل تحرك لعباس يشكل إشارة لعمل إرهابي سيحدث.
ورداً على ما نشرته «الأخبار»، أصدر عباس بياناً موقعاًَ باسم «العبد الفقير إلى الله»، هاجم فيه «الأخبار» و«الحملة الإعلامية المسعورة على أبناء شعبنا الفلسطيني التي تهدف الى إنهاء وجوده وحرمانه من حق العودة والزج به في التجاذبات السياسية والأحداث الأمنية التي لا تخدم مصالح شعبنا، بل تصب في خدمة النظام السوري البائد والكيان الصهيوني. ولكي يبقى التعامل مع المخيمات على أنها بؤر أمنية ولا يرقى الى تحسين الوضع الإنساني». وفي البيان، أقر بأنه غادر إلى سوريا بين آب وكانون الأول من عام 2012 لتدريب مجموعات تابعة للمعارضة السورية، ثم بين شهري نيسان وتموز من العام الفائت. وأكد براءته من كل الاتهامات التي «لم يثبت منها إلا إطلاق الصواريخ على الكيان المحتل والذهاب إلى العراق لقتال المحتل الأميركي».



هل يطلب الجيش تسليم عباس وإخوانه؟

في عام 2008، وبعد التفجيرات التي استهدفت الجيش في طرابلس والبحصاص والعبدة وأدت إلى سقوط عشرات العسكريين بين شهيد وجريح، طلب الجيش من القيادات الفلسطينية في عين الحلوة تسليم أفراد من «فتح الإسلام»، مانحاً مهلة زمنية قصيرة وإلا يكون مصير المخيم كارثياً ويتحول إلى نهر بارد جديد. والمطلوبون كانوا حينها: أمير «فتح الإسلام» عبد الرحمن عوض، ونائبه أسامة الشهابي ومسؤولين آخرين متهمين بالتورط باعتداءات ضد الجيش، وهم: أبو محمد توفيق طه، يوسف شبايطة، نعيم عباس ومحمد الدوخي. استنفرت القيادات وسارعت إلى عقد لقاءات مع المعنيين في صيدا ودخلت مرجعيات سياسية ودينية على خط التعهدات بسرعة تسليمهم، إلا أن التعهدات لم تنفّذ.
بعد التفجيرات الأخيرة، «لم تتلقّ الفصائل الفلسطينية أي طلب رسمي وحاسم بالعمل على تسليم عباس وتوفيق طه وبهاء الدين حجير وآخرين»، بحسب ما أكدت مصادر مواكبة لـ«الأخبار». وتلفت المصادر إلى أن المناخ والظروف السياسية ليست مؤاتية للضغط في هذا السياق أو التلويح بالدخول إلى المخيم. وتتحدث عن عوامل عدة تستدعي الحذر، أبرزها من الحرص على سكان المخيم ومنع تشتيتهم.