ظهيرة الرابِع من تشرين الثاني الماضي، أطلّ سعد الحريري، من الرياض، مُعلناً استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية. وقعت الاستقالة كالصّاعقة على رؤوس الجميع، وأثارت علامات استفهام حول مصير التسوية الرئاسية، ومن خلفِها مصير بلد بأكمله. أسئلة لم تجِد آنذاك أجوبة شافية في مرحلة الصعود الصاروخي لمحمد بن سلمان في مقابل تهاوي أسهم الحريري في السعودية إلى الحضيض، سبقتها نقمة داخل بيئته لقبوله بأن يكون «الحلقة الأضعف» في التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون. عشيّة الذكرى الأولى لاختطاف الحريري يبدو المشهد «مقلوباً» تماماً. ابن سلمان، «المُحاصَر» دولياً بعد وصول الاتهامات إلى «ذقنه» بالتورّط في قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لم يجد إلا الحريري ليستضيفه، بدلاً عن ضائع، في ظل مقاطعة واسعة لمؤتمر «دافوس الصحراء». زيارة، عاد بعدها الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية مشحوناً بدعم سعودي، و«فائض قوّة» جعلت من كان باحثاً عن السلطة بأي ثمن قبل عامين، والمكسور الجناح منذ عام، يلوّح بالاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة.
بينَ طيّات عام، جُملة متغيّرات يتحدّث عنها مُستقبليون من الحلقة الحريرية، ولبنانيون منضوون في المحور السعودي، يعتقِدون بأنهم مُقبلون على «مرحلة عزّ» بعدَ سنوات عجاف مالية وسياسية. إلى ما قبل قتل خاشقجي، كان الحريري، بحسب مضبطة الاتهام السعودية، «متخاذلاً أمام حزب الله والمحور المعادي»، ما يستحقّ معه «الإقالة» والاحتجاز. لكن جريمة اسطنبول، و«ما رافقها من محاولات تحميل مسؤوليتها لولي العهد»، قلبت كل المعطيات. بعدها، بدا أن «الأمير سلمان في حاجة إلى الحريري اليوم». وبعدما كان رئيس الحكومة يكثر من لقطات الـ«سيلفي» مع شخصيات سعودية لتأكيد أن لا «حجْر» سعودياً عليه، وجد نفسه في زيارته الأخيرة شريكاً في المنصة الرئيسية، في مؤتمر «دافوس الصحراء»، مع الرجل السعودي الأقوى الذي بالغ في الترحيب بمن كان، قبل عام تماماً، رهينة لديه.
هكذا، عاد الحريري من الرياض مصحوباً بـ«حظوته ومكانته السابقتين»، وبـ«نَفَس جديد» مكّنه من حشر سمير جعجع، رجل السعودية القوي، للقبول بما يُعطى إليه حكومياً تحت طائلة تشكيل الحكومة بمن حضر. وبـ«النَفَس» نفسه، مستفيداً من الـ«باس» الذي أعطاه إياه رئيس الجمهورية ميشال عون في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، رفع سقف معارضته لتوزير أي من «سنّة 8 آذار» في الحكومة المقبلة.
يعتقِد الحريريون بأنهم مُقبلون على «مرحلة عزّ» بعدَ سنوات عِجاف مالية وسياسية


الموقف الأخير لرئيس الجمهورية هو «محطّة مفصلية» وضعت الحريري وعون «في مركب واحد في وجه حزب الله»، يقول مستقبليون قريبون من السعودية كانوا في المرحلة السابقة من أكثر المُعارضين للتفاهم الرئاسي. يعبّر هؤلاء عن «الارتياح الشديد لكلام الرئيس أخيراً وتقدّم موقفه على موقف رئيس الحكومة»، ولـ«شهر العسل الجديد بين الرئاستين بعد كل التباينات السابقة، مع معطى جديد يتمثّل في الوقوف ضدّ موقف حزب الله في ما يتعلّق بالسنة المستقلّين»، ما «يضع قواعِد عمل مشتركة بين الطرفين للمرحلة المقبلة لتكريس التناغم حول عدد من الملفات المقبلة». هذه «الثنائية» بين السراي وبعبدا، بحسب هؤلاء، تنقل الحريري إلى «موقع أقوى» يرتكِز على «عمق سعودي»، وعلى حاجة دولية وداخلية للحريري بوصفه «المؤتمن على تطبيق مقررات مؤتمر سيدر»، ناهيك عن «الالتفاف السني حوله من رؤساء الحكومات السابقين وعمائم دار الفتوى».