قرار عون الذي رددته اوساط سياسية امس، لم يصل بعد الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي قال لـ«الأخبار» إنه لم يسمع من الرئيس عون أي طلب في سياق تجميد تنفيذ المرسوم، مضيفاً ان اي مسؤول في وزارة الداخلية لا يمكنه وقف تنفيذ مرسوم صادر إلا بناءً على طلبه هو.قرار الرئيس عون جاء ربطاً بالحملة التي أثيرت على المرسوم، لاحتمال ضمه أسماء شخصيات تواجه مشكلات قانونية في بلادها والعالم، أو أسماء رجال اعمال ومتمولين واحتمال ان يكون هؤلاء قد دفعوا مبالغ مالية طائلة مقابل الجنسية.
وفي المعلومات، انه قبيل أشهر من موعد الانتخابات النيابية، أثير ملف التجنيس امام رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. وتم تقديم الامر على قاعدة ان الرئيس السابق ميشال سليمان قام بخطوة مجتزأة وربطاً بحسابات سياسية وغير سياسية، و«لا بد من تصحيح الخطأ». لكن القرار كان بتأجيل الامر الى ما بعد الانتخابات.

مافيات وصفقات
لكن، تبين ان هناك جهات، رسمية وغير رسمية، باشرت إعداد ملفات تتضمن مئات الاسماء، تم تقديمها منفردة أو على شكل عائلة، بهدف الحصول على الجنسية اللبنانية. وبحسب المصدر نفسه، تبين أيضاً وجود «مافيا» كبيرة جداً، كانت تعمل على هذا الملف، قبل إثارته مع رئيس الجمهورية، وهي ناقشت اضافة عشرات الاسماء الى ملف يحتوي أصلا على مجموعة كبيرة من مكتومي القيد أو اصحاب الجنسية قيد الدرس، ليتبين ان القصد من هذه الاسماء هو:
الحصول على مقابل مالي كبير (لا تسعيرة محددة).
إلحاح «المافيا» على كون بعض طالبي الجنسية يعيشون بعيداً عن الاضواء، إما بسبب مشاكل مالية أو قضائية (فرنسي من أصل جزائري تبين أنه مطلوب من الانتربول بجرائم احتيال وتبييض أموال وآخر لديه مشكلة في كازاخستان إلخ...). وان بعض هؤلاء تذرعوا بأنهم اصحاب ودائع بعشرات ملايين الدولارات في لبنان، ولديهم اعمال في لبنان منذ زمن بعيد، وان بعضهم أسهم في معالجة الازمة العقارية في لبنان (نموذج أقارب رئيس مجلس إدارة مصرف لبنان والمهجر (بلوم بنك) من آل الازهري)، بالاضافة الى سياسيين عرب من الذين يقولون إنهم يرتبطون بلبنان بعلاقات مصاهرة وقربى وانهم امضوا سنوات طويلة من حياتهم في لبنان (نموذج السياسي العراقي اياد علاوي وافراد عائلته).
ظهور ملفات لأشخاص سبق أن رفضت طلبات تجنيسهم في مرات سابقة، وبينهم شخصية تعيش في عكار، تبين أن بين أوراقها وثائق مزورة تتعلق باسم الام وتاريخ الميلاد، بالاضافة الى آخرين تذرعوا بأنهم متزوجون من لبنانيات منذ اكثر من عشرين سنة، ولديهم عائلة كبيرة واحفاد يحملون الجنسية اللبنانية، علماً بأن القانون اللبناني لا يزال يحرم المرأة اللبنانية من منح الجنسية لزوجها أو أولادها، فضلاً عن إشكالية أكثر من 600 عائلة من مكتومي القيد في وادي خالد في عكار (راجع تقرير الزميلة نجلا حمود في الصفحة نفسها)، وأفراد من القرى السبع، وآخرين أتلِفت سجلاتهم سابقاً.
هذه الإشكاليات استدعت تأجيل الملف إلى ما بعد السادس من أيار 2018. وبالفعل، بعد انتهاء الانتخابات النيابية، تولت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة إعداد الملفات. في هذه الاثناء، تبين ان المديرية العامة للامن العام غير مشمولة بقرار الدرس والتدقيق، خصوصاً انها الجهة المخولة قانوناً مراجعة الملفات قبل منحها الجنسية، وتحديداً لناحية وجود شبهات امنية أو قانونية أو مسائل تضر بصورة لبنان أو بأمنه القومي. لكن الذي حصل ان الجميع سارع الى فرض المرسوم بصورة واحدة، وتم توقيعه من قبل الرئيس ميشال عون قبل أن تصبح الحكومة مستقيلة، وإحالته الى التنفيذ عبر وزارة الداخلية، مع الاتفاق على عدم نشر الملف ولا الاسماء، خصوصاَ أن القانون لا يوجب نشر المرسوم في الجريدة الرسمية.

ضغوط وتضليل
عملياً، واجه القصر الجمهوري، خلال الأيام الأربعة الماضية، حملة ضغوط غير مسبوقة، ما استدعى من عون القيام بجملة اتصالات هدفت الى إيجاد المخرج. وقد طرحت فكرة إلغاء المرسوم من اصله، وبدا عون منفتحاً على كل الاحتمالات لأنه لا يريد للمرسوم أن يوجّه ضربة الى صورة العهد ومصداقيته.
وبعد زيارات متلاحقة قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية، أصرّ الأخير على وجوب التدقيق «بكل تفصيل يتصل بالاسماء التي وردت في مرسوم التجنيس الاخير، سواء تلك التي لا شائبة حولها أو تلك التي تسللت إليه». ورغم تحفظه على آلية المرسوم ومآلاته، وافق إبراهيم على التفويض الرئاسي المطلق في السعي إلى تبيان كل الحقائق حول هذا الملف. وكان المخرج ببيان صادر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية «بالطلب من الذين يملكون معلومات حول الاشخاص الذين جنّسوا بموجب مرسوم التجنيس من غير استحقاق مراجعة الامن العام».
ونُقلَ عن رئيس الجمهورية قوله إنه ليس من القيادات التي تقبل أو تسمح بتوريطها، وإنه عندما تأكد من أن هناك ما يتعدى التشكيك والشبهات في مرسوم التجنيس، اضافة الى «وجود كمائن ومخاطر»، منح إبراهيم تفويضاً بالتحقيق والتدقيق وتدوين الخلاصات التي بموجبها سيتخذ رئيس الجمهورية القرار النهائي بشطب اسماء أو تثبيت أخرى.
مصادر التيار: يحاولون التغطية على سلوكهم في ما يتعلق بموضوع النزوح


وفي المعلومات، أنه بعد التفويض الرئاسي، سارع اللواء إبراهيم الى خطوات واجراءات عملانية، منعاً لمسارعة كثيرين ممن وردت اسماؤهم في المرسوم إلى الاستحصال على مستندات تؤكد حصولهم على الهوية اللبنانية وإخراج القيد اللبناني. وكلف إبراهيم فريقاً في الأمن العام بإجراء فحص تقني واستعلامي دقيق حول كل اسم ورد في المرسوم.
وفي جردة أولية، أطلع عليها رئيس الجمهورية، تبين سريعاً أن هناك محاذير تحول دون منح الجنسية لأسماء وردت في المرسوم الذي تم التوقيع عليه قبل يوم من انتهاء ولاية مجلس النواب وقبل دخول الحكومة مرحلة تصريف الاعمال.
الرئيس عون أبدى امتعاضه من الذي حصل، وتحدث قريبون منه عن عملية «تضليل» تعرض لها من قبل جهات أو اشخاص من دون تحديد هويتهم. وهو الموقف نفسه الذي نقل عن الرئيس الحريري الذي نفى علمه بوجود صفقات مالية مقابل الجنسية، وانه حاول تفادي بعض الاخطاء بعدما طلب من مساعدين له إجراء مسح سريع للاسماء الواردة في مشروع المرسوم، وانه تم العثور على مخالفات أدت الى شطب بعض الاسماء.
وأكدت مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر أن لرئيس الجمهورية حق منح الجنسية لمستحقيها، و«غير المقبول هو التجنيس الجماعي لا الإفرادي». وشدّدت على أنه «لا يوجد أي خلل في الملفات التي قدّمها التيار». ورأت في الحملة الحالية على المرسوم «محاولة من المنتقدين للتغطية على سلوكهم في ما يتعلق بموضوع النزوح».
عملياً، بات الملف بيد اللواء إبراهيم متسلحاً بثقة رئيس الجمهورية، ودوائر بعبدا تتصرف على اساس ان المرسوم أصبح بحكم المجمد، وبالتالي، لن تمنح مديرية الاحوال الشخصية في وزارة الداخلية أي افادة أو وثيقة إثبات جنسية الا بعد الجواب النهائي الذي سيأتي من رئاسة الجمهورية.
وفي الانتظار، تطرح أسئلة من قبيل من ضلّل رئيس الجمهورية؟ ولماذا أخفيت عنه عمداً بعض المعلومات والملفات؟ ولماذا تم تزويده بمعلومات غير دقيقة وصولاً إلى «دس» أسماء غير مستحقة؟ ولماذا لم يعرض المرسوم قبل توقيعه مع المستندات التي تقدم بها طالبو الجنسية على الامن العام؟ ومن هي الجهة الادارية التي أعدّت المرسوم وجعلت الرئيس عون يوقّعه من دون مروره على الامن العام وفق الاصول؟