بكفالة قدرها مليون ليرة لبنانية فقط لا غير، أطلق قاضي التحقيق العسكري الأول، رياض أبو غيدا، المقدَّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، موجّهاً إليها تهمة التدخل في جريمة ارتكبها «القرصان» إيلي غبش، وطالباً محاكمتهما أمام المحكمة العسكرية. الجريمة التي اتهم أبو غيدا غبش بارتكابها، هي تلفيق تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي للممثل زياد عيتاني، الذي برأه القاضي، مانعاً عنه المحاكمة. كما في كل ملف، سيخرج من يكرر على مسامعنا النكتة السمجة نفسها عن استقلالية القضاء الذي قادته الأدلة إلى اتخاذ هذه القرارات.
(مروان طحطح)

هي نكتة تتجاوز السماجة لتصل إلى حدود الفضيحة. فقرار توقيف زياد عيتاني، كان قراراً قضائياً، يتحمّل مسؤوليته القاضي بيتر جرمانوس، بصفته مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. كذلك يتحمّل مسؤوليته الأمنية المدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا. ثمة جيش من المطبّلين، سيخرج مدافعاً عن صليبا، بصفته قائد فتوحات أمنية في لبنان، فيما الواقع يُظهر أن جهاز أمن الدولة هو محض هدر للموارد، ويجب إقفاله وتوزيع عسكره على الأجهزة الأخرى. هذا في المبدأ. أما في قضية عيتاني تحديداً، فإن تثبيت براءته أمس يعني وجوب فتح باب المحاسبة، محاسبة المسؤولين عن الجهاز، والمسؤولين عن التحقيق، والقائمين به. محاسبتهم تعني أن يتولى القضاء محاكمتهم. فما ارتُكب بحق عيتاني ليس عابراً، لا على المستوى الشخصي، ولا على مستوى الأمن القومي. ففي السنوات الأخيرة، لم يبقَ أي شأن أمني أو قضائي أو مالي أو نقدي أو سياسي... لم يحصل التلاعب به. لبنان بهذا المعنى هو بلد التلاعب التام. لكن، بقي مُحيَّداً، نسبياً، ملف مكافحة التجسس الإسرائيلي. تلفيق ملف لعيتاني هو العبث الأخطر بهذا الملف الذي يبدو أن قيادتنا السياسية والأمنية والقضائية لا تعي أهميته. ثمة فضيحة لا يُراد أن يُرى أي مسبِّب لها سوى قرصان بائس اسمه إيلي غبش. القضاء بريء، سوزان الحاج على طريق شبه البراءة، السياسيون أبرياء، الأمنيون أبرياء... كلهم أبرياء، إلا إيلي غبش والذين صدّقوا رواية الدولة بأمها وأبيها عن توقيف عيتاني. الفضيحة التي ارتكبها جرمانوس وصليبا ومن عاونهما، تحتاج، على أقل تقدير، إلى كفّ يد القاضي، وإقفال جهاز أمن الدولة. ثمة رجل بريء زُجَّ به في السجن، بعدما لُطِّخت سمعته بواحدة من أكثر الجرائم دناءة وخطورة. ويُراد للأمور أن تستمر كما لو أن شيئاً لم يحدث. ومن ينطق بكلمة، يشهر في وجهه سيف محكمة المطبوعات والتهديد والوعيد. لا يا سادة، صدّقناكم مرة، ولن نعيد الكرّة. فقدتم أهليتكم للثقة، وأنتم في دائرة الاتهام: زياد عيتاني بريء، يعني أنكم ارتكبتم جريمة بحقه.
إذا أردتم القول إن سوزان الحاج بريئة، فما عليكم سوى أن تسجنوا خالد حمّود


قرار توقيف عيتاني كان قراراً أمنياً ــــ قضائياً. أما السياسة، فتدخّلت لدفع القضاء والأمن إلى التدقيق في قضيته. قرار توقيف سوزان الحاج كان قراراً قضائياً أمنياً. أما السياسة، فتدخّلت مرة جديدة، لكن لإخراجها من الملف. سيقول القاضي أبو غيدا، وآخرون، إن قرار الإفراج عنها لا يعني تثبيت براءتها، بل بداية محاكمتها. بالدارج: «هذا الكلام اضحكوا به على غيرنا». فمنذ اليوم، يمكن توقّع الحكم الذي سيصدر (إلا إذا تدخّلت السياسة لتصويب الأمور، وهذا ليس متوقعاً)، بعد أشهر، بحق الحاج: الاكتفاء بمدة التوقيف. لماذا؟ لأن النائب هادي حبيش وشقيقه زياد (زوج المقدّم الحاج)، تمكّنا من توفير الغطاء السياسي لإطلاقها. تجاهل المعنيون أنها كانت «معلّمة» غبش، وتجاوزوا عن التسجيلات التي لا يخاطبها فيها إلا بلهجة فيها من الدونية ما فيها، والأدلة على كونها طلبت منه قرصنة مواقع رسمية وتلفيق تهمة للزميل رضوان مرتضى... كل ذلك محته الإرادة السياسية، ليُقال إنها كانت «متدخلة» في الجريمة، وإن ما ارتكبته لم يكن سوى خطأ السكوت عن جريمة غبش. هي أَمنية، تتقاضى راتبها من المال العام، والقانون يفرض، بوضوح لا لبس فيه، التشدد في معاقبتها. فلماذا أطلِقَت وبقي غبش في السجن؟
في هذه القضية، لا يستقيم، منطقياً، وجود ثلاثة أفراد خارج القضبان، معاً: زياد عيتاني، والمقدّم سوزان الحاج، ورئيس فرع المعلومات العقيد خالد حمّود. يجب أن تسجنوا واحداً منهم. عيتاني بريء. وإذا أردتم القول إن سوزان الحاج مثله، فما عليكم سوى أن تسجنوا خالد حمّود. هو المسؤول عن «الظلم» اللاحق بزميلته البريئة. هل يجرؤ هادي حبيش، والذين عاونوه لإطلاق زوجة شقيقه، على المطالبة بذلك؟