لم يترك رئيس الحكومة سعد الحريري سلاحاً إلا واستخدمه في حملته الانتخابية، لتعويض نقص الأموال (النسبي، مقارنة بمئات ملايين الدولارات التي منحته إياها السعودية لانتخابات عام 2009) وترهّل تنظيمه. قبل ساعات من بدء سريان «الصمت الانتخابي»، أخرج الحريري سلاحه الأخير: «التكليف الشرعي»، أو «الفتوى الانتخابية»، من دار الفتوى التي أعلنت أمس انحيازها التام إلى الحريري في وجه منافسيه. والمنافسون هنا، هم بالدرجة الاولى من الطائفة السنية، وبعضهم كان طرفاً في التسوية التي رعتها مصر قبل سنوات، لانتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً للجمهورية. في السابق، كانت الرسائل الانتخابية تمر بتعميم مبطّن من «الدار»، ليقول خطباء الجمعة «توجيهاً» تختلف نسبة وضوحه من مسجد إلى آخر. أما اليوم، فـ«التكليف الشرعي»، و«الفتوى الانتخابية»، يصدران علناً، على الشاشات. على طريقة مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار قبل أيام، وقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، اليوم، ليقول للحريري بوضوح: «أنا معك، وكل العمائم معك».
أمس، تلقّى العلماء والمشايخ دعوة من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية لحضور اجتماع «عاجل ومهمّ» مع مفتي الجمهورية في بهو دار الفتوى. انتهت الدعوة بالقول إن «الحضور إلزامي». لم يكُن قد تبيّن بعد أن اللقاء سيكون في حضور الحريري. اتضح ذلك ظهر اليوم، حين أعلن التيار أن الحريري سيزور منطقة عائشة بكار. كان الاجتماع بحسب أحد المشايخ الحاضرين أقرب إلى «إعلان بيعة لرئيس تيار المستقبل. بيعة حصرية ومسجّلة مع صكّ غفران» كما يقول.
وُجّهت الدعوة الى أكثر من 150 رجل دين في العاصمة حضَر منهم سبعون فقط (دالاتي ونهرا)

الدعوة وُجّهت الى أكثر من 150 رجل دين في العاصمة، حضَر منهم سبعون فقط. في حضرتهم، أكد دريان للحريري "انني وكل الفترة السابقة فتحت بابي للجميع وعقدت لقاءات مع كل الأطراف في الطائفة السنية، لكنني اليوم، وبعد أن سمعتك يا دولة الرئيس، أقول لك لا تخف. أنا معك وكل العمائم معك». استخدم دريان سقف التهويل نفسه الذي يستخدمه نواب تيار المستقبل المرشحون في دائرة بيروت عن «العروبة وعدم تغيير هويتها، وضرورة الحفاظ على أفضل العلاقات مع الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية». فردّ الحريري بالقول «أنا مع سماحتك ومع هذه الدار. الدار دارنا لأنها تمثّل خط الوسطية». فعلّق دريان «نحنا وإياك سوا بخط الوسطية».
يقول مشاركون في اللقاء إن «هناك استخداماً واضحاً لدار الفتوى لمصلحة الحريري ومعركته في بيروت». لكن «الحضور الذي كان أقل من حضور المشايخ إلى بيت الوسط سابقاً، دليل على عدم موافقة كل المدعوين على أسلوب تعاطي المفتي مع الانتخابات النيابية». مع ذلك «لا يمكن إلا أن نقول إن الحريري استطاع تطويع دار الفتوى». واللافت بحسب المصادر أن «اللقاء في دار الفتوى أتى بعدما أدى دريان والحريري صلاة الجمعة في جامع عبد الرحمن بن عوف في منطقة رأس النبع». وقد حوّل خطيب الجامع هناك محمد أنس الأروادي منبر الجامع إلى مكان للدعاية الانتخابية. فقد وصف الأروادي، من منبر خطبة الجمعة، الحريري بـ«الزعيم»، ليبدأ التصفيق في المسجد، قبل أن يطلب من الناس التوقف عن التصفيق للزعيم لأنه «لا يجوز» (في المساجد).