تلقت «الأخبار»، أمس، «تنبيهاً» مذيَّلاً بتوقيع رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات نديم عبد الملك، يطالب فيه الجريدة «بضرورة التقيّد الصارم بالأحكام القانونيّة» التي يتضمنها قانون الانتخابات الجديد.وتضمن كتاب عبد الملك الآتي:
«جانب جريدة الأخبار،
الموضوع: رصد مخالفات لأحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017
بالإشارة إلى الموضوع أعلاه، نحيطكم علماً أن أجهزة المراقبة والرصد الإعلامية لدى هيئة الإشراف على الانتخابات، قد رصدت خلال الفترة الواقعة بين تاريخ 26/2/2018 وتاريخ 16/3/2018 مخالفات لأحكام بعض بنود المواد 71 و74 و79 من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017 ونذكر منها:
* بين 26 شباط و3 آذار: مخالفة تكرّرت مرتين من خلال «الإعلان الانتخابي»، حيث تم نشر إعلان لصالح المرشح جميل السيد، وتخصيص مساحة مهمّة للمرشح حسين زعيتر من دون ذكر أن الإعلان مدفوع.
* بتاريخ 3 آذار 2018: تم نشر دعاية انتخابية تخفي إعلاناً انتخابياً لصالح المرشح عمر نجاح واكيم بعنوان «لست وريثاً سياسياً». وفي التاريخ عينه، نُشر تقرير إخباري لصالح المرشح أسامة سعد بعنوان «أسامة سعد مرشح خط معروف».
* في 7 آذار 2018، تمّ نشر مقال بقلم توفيق عسيران بعنوان «على العهد يا معروف سعد»، ما يخفي إعلاناً انتخابياً مستتراً.
* في 15 آذار، نُشر مقال بقلم إيلي الفرزلي لصالح المرشح أنور جمعة بعنوان: «أنور جمعة: مترجم السيد ومعفر البطاطا». المقال تحدث عن حياة المرشح جمعة واعتبر أن «المقعد الشيعي في البقاع الأوسط محسوم لمرشح حزب الله... جمعة». ما يعتبر دعاية إنتخابية مخفية.
فإن هيئة الإشراف على الانتخابات وعملاً بأحكام المادة 81 من القانون الآنف الذكر، تعتبر هذا الكتاب بمثابة تنبيه لكم بضرورة تقيّدكم الصارم بالأحكام القانونيّة المشار إليها أعلاه وسائر الأحكام القانونية والتنظيميّة ذات الصلة.
بيروت 21/3/2018
رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات
نديم عبد الملك».

ردّ «الأخبار»:
لدينا، في لبنان، هيئة خاصّة للإشراف على الانتخابات. هيئة لديها ما يكفي مِن «الثقة» لأن توجّه تنبيهاً إلى «الأخبار». مرحى مرحى، لبنان على سكّة الحداثة، وها هو يعيش عرساً ديمقراطيّاً، وسوف، عمّا قريب، يعبر إلى الدولة. ما الخبر؟ الهيئة العتيدة أحاطتنا علماً بأن أجهزة المراقبة والرصد لديها رصدت، خلال فترة معيّنة، مخالفات لأحكام مواد مِن قانون انتخاب أعضاء مجلس النوّاب مِن قبل «الأخبار». طبعاً، الصحيفة لم تنم الليل بحثاً عن «الجرم» الذي ارتكبته!
الهيئة، في رسالتها إلى «الأخبار»، تورد على سبيل المثال «الجريمة» الآتية: «في 7 آذار 2018 تمّ نشر مقال بقلم توفيق عسيران بعنوان «على العهد يا معروف سعد»، ما يخفي إعلاناً انتخابيّاً مُستتراً». أها! مُستتراً! خاطرة صغيرة، أقرب ما تكون إلى رثاء أو مناجاة، كاتبها صديق ورفيق درب تاريخي للراحل معروف سعد، يُعاهده فيه على الثبات على النهج، ويشكو إليه وهو في «الملكوت» كيف أصبحت صيدا مكبّاً للنفايات... فيكون هذا إعلاناً انتخابيّاً مُستتراً! هل كان رئيس وأعضاء الهيئة يقرأون الصحف قبل أن تُعيّنهم السُّلطة في موقعهم؟ الآن هذا سؤال مشروع. إن كان مثل ذلك يُعتبر إعلاناً مدفوعاً، وبالتالي لا يُنشَر، فما الذي يُنشَر؟
هناك مسألة أبشع. كيف تسمح الهيئة لنفسها بأنّ تقول: «ما يخفي إعلاناً انتخابيّاً مستتراً»؟ يخفي! أمحاكمة نيّات هي أم إسقاط للسائد، الذي نعرفه وتعرفه الهيئة جيّداً، على مَن رفض مِن البداية الانخراط في لعبة التسجيل لدى الهيئة بغية شرعنة الحصول على إعلانات انتخابيّة مدفوعة؟ أليس في الهيئة مَن استغرب وقال لـ«الأخبار» إنّها الوسيلة الإعلاميّة الوحيدة التي لم تُسجّل اسمها في تلك العمليّة (الشرعيّة)؟ مَن رفض أن تلوّثه أموال الانتخابات، وإن كان يسمح بها القانون، وترعاها بالتالي هيئة الإشراف، لا يسمح أن تُستخدم بحقّه عبارة «يخفي» ولو على سبيل التشكيك، ولو على سبيل السؤال، ولا حتّى تلميحاً. هذا يجب أن يكون واضحاً. ما أوردته الهيئة في رسالتها إلى «الأخبار» هو بمثابة إهانة تستوجب الاعتذار. ليست «الأخبار» مَن يُحكى معها بتلك اللغة. تيّار معروف سعد أصبح الآن يدفع أموالاً انتخابيّة! هذه طرفة، إنّما، حتماً، طرفة مبكية.
عموماً، قانون الانتخاب الجديد، وهو مرجعيّة الهيئة في القانون، يضع تعريفاً واضحاً لعنوان «الإعلان الانتخابي». المادة 68 منه وتحت بند «في المصطلحات» تورد الآتي: «الإعلان الانتخابي: هو كلّ مادّة أو نشرة ترويجيّة لجهة مُرشّحة يتم بثها أو نشرها، مقابل بدل مالي، ضمن الوقفات والمساحات المخصّصة للإعلانات التجاريّة لدى مؤسّسات الإعلام والإعلان». حسناً، المقال المُشار إليه، وسائر المقالات، تنشرها «الأخبار» بالطريقة نفسها التي تنشر بها موادها ومقالاتها منذ نحو 12 عاماً، وبالتالي، وهذا ما غاب ربّما عن الهيئة وتحديداً رئيسها، فإنّه ليس لدى صحيفتنا مساحات مخصّصة للإعلانات التجاريّة في الموضوع الانتخابي أساساً. في المبدأ، هذا من حقّ أي صحيفة، ما دام القانون يُتيح ذلك، لكن كلّ ما في الأمر أنّ «الأخبار» لم تُرد الدخول في هذه اللعبة ضمن صفحاتها اليوميّة منذ تأسيسها حتى يومنا هذا. إن كانت ستفعل ذلك، لاحقاً، فسيكون لديها كلّ «الجرأة»، لتعلن ذلك ضمن ما يتوافق مع قناعاتها وخطّها التحريري، ولن تتردد في إبلاغ الهيئة وكل من يجب أن يصلهم العلم والخبر.
مسألة أخرى، المادّة القانونيّة المذكورة (68) تشير بوضوح إلى أنّ الإعلان هو ما يكون «مقابل بدل مالي». هذا تعريف شرطي، لمن يعرف لغة القانون، وبالتالي هل «بصّرت» الهيئة فعلِمَت أّن الصحيفة تقاضت بدلاً ماليّاً؟ «الأخبار» تتحدى أن تُثبت الهيئة حصول ذلك، في أيٍّ مِن مقالاتها وموادها، وهي مستعدّة للقبول بأيّ شرط جزائي تضعه الهيئة، مهما علا، إن نجحت في يوم مِن الأيّام بإثبات تقاضينا أموالاً انتخابيّة. ربّما كانت تقارير المخالفات الفظيعة، التي تصل إلى الهيئة، عن وسائل إعلام كثيرة، جعلتها تعتقد بأنّ هذا هو «العادي» عند الجميع. لا، ذلك «العادي» ما زال غير عاديّ عند «الأخبار»، وسيبقى كذلك. ربّما «تعبت نفسيّة» أعضاء الهيئة مِن سماع أن إطلالة إعلاميّة لأحدهم ثمنها 200 ألف دولار، وفقرة ترويجيّة واحدة مقابل 100 ألف دولار، وصولاً إلى أرقام فلكيّة، فظنّت أنّ هذا «الكار» كلّه على ذلك النحو.
مسألة أخرى، الفقرة 7 مِن المادة 72 تنصّ على الآتي: «تُحدّد الهيئة، قبل بدء العمليّة الانتخابيّة، المعايير التي تسمح بالتمييز بين الإعلام الانتخابي والإعلان الانتخابي». هل حدّدت الهيئة تلك المعايير؟ النص يقول: «قبل بدء العمليّة الانتخابيّة». العمليّة بدأت قانوناً. ثمّ، وهذا سؤال ليس فقط للهيئة، بل لمن عيّن أعضاءها أولاً: ما هي الصفحة الفنيّة، أو التقنيّة، التي تخوّل الهيئة التمييز بين الإعلام والإعلان بالمعنى المهني الدقيق؟ لعلّ المسألة بديهيّة عند البعض، وهذا متوقّع، ولكن رسالة الهيئة تجعلنا للأسف نسأل في البديهيات. أيضاً، هل لدى الأعضاء خبرة في الإعلام؟ للتذكير، نحن أمام هيئة رئيسها قاضٍ، ونائبه نقيب سابق للمحامين، ومِن الأعضاء نقيب سابق لنقابة خبراء المحاسبة. الهيئة مؤلّفة مِن 11 عضواً، مِن بينهم عضو واحد «خبير في شؤون الإعلام والإعلان». هذا وقرارات الهيئة، بحسب المادة 21 مِن القانون، تتخذ بالأكثريّة المُطلقة. الحديث هنا عن مسألة مهنيّة تقنيّة محض، قبل الحديث عن شفافيّة وحياديّة وموضوعيّة، أو مَن عيّن هذا العضو أو ذاك. المسألة في المبدأ.
ربّما كثير مِن اللبنانيين لا يعلمون أن قانون الانتخاب يُحدد الأطر «الشرعيّة» للحصول على أموال مِن إعلانات انتخابيّة. لذا، مِن اللازم إيضاح المسألة، فالمادة 71 تقول إنّ «على وسائل الإعلام والإعلان التي ترغب في المشاركة في الدعاية والإعلام الانتخابي، أن تتقدّم مِن الهيئة قبل عشرة أيّام على الأقل من بداية فترة الحملة الانتخابيّة بتصريح تُعلن فيه عن رغبتها في المشاركة، مرفقاً بلائحة أسعارها والمساحات التي ترغب في تخصيصها للدعاية أو الإعلان الانتخابي». هكذا، لائحة الأسعار هنا مسألة قانونيّة! القانون يُشرعن أن يكون الإعلام سوقاً للبيع والشراء. أكثر مِن ذلك، الفقرة الثانية مِن المادة المذكورة تُشير إلى الآتي: «تلتزم وسائل الإعلام والإعلان بلائحة الأسعار والمساحات التي قدّمتها، ولا يحق لها أن ترفض أيّ إعلان انتخابي مطلوب مِن لائحة أو مرشح يلتزم بها». لهذا، لهذا تحديداً، رفضت «الأخبار» الدخول إلى هذا «السوق». عجيب هذا النص القانوني الذي يفرض، تحت طائلة المسؤولية القانونيّة، على وسيلة إعلاميّة (مُسجّلة) أن تنشر إعلاناً مدفوعاً لمرشح ما! مَن الذي شرّع هذه المادّة؟ «الأخبار» التي رفضت الدخول في هذا «البازار» مِن البداية، في ظلّ هذه الشروط المانعة للحريّة، ليست هي مَن تستحق أن تصلها رسالة تنبيه. «الأخبار» صوتها عالٍ، وهي، لِمن يهمه الأمر، وتحت أيّ ظرف كان، لن تسمح لأحد بأن يجعلها تصمت. فيا حضرة أعضاء هيئة الرقابة على الانتخابات... ابحثوا في مكان آخر.
وعلى سيرة الهيئة، مبروك لها أنه صار لها فريق رصد ومراقبة، وحبذا لو بدأ من تعاقدت معهم، منذ أسابيع قليلة، يقبضون رواتبهم ومستحقاتهم، وأن يفسح في المجال أمام «الأخبار» لإجراء تحقيق عن عمل فريق الرصد والمراقبة، وما يتوافر لديه من إمكانات، لعلها تُعزز بالاستعانة بالوكالة الوطنية للإعلام وباقي الإعلام الرسمي، لتوثيق مخالفات السلطة الفاضحة بكل رموزها، للقانون الانتخابي بكل مندرجاته.
أمر أخير، هو أن «الأخبار» تحتفظ لنفسها بحق ملاحقة الهيئة أمام الجهات القضائية المختصة، لكون الهيئة اتهمتنا بتقاضي أموال من دون أي دليل. وإذا لم تقرر الهيئة سحب رسالتها والاعتذار، فعلى رئيسها وأعضائها والعاملين فيها، الاستعداد للإتيان بالدليل على أن «الأخبار» تقاضت أموالاً، أو يتحملون عواقب جريمة الاتهام نفسها.