لم يكد الجيش اللبناني يبدأ تحضيراته اللوجستية والميدانية لخوض معركته ضد داعش في رأس بعلبك والقاع والفاكهة والجزء الغربي من بلدة عرسال، حتى باغتته التدخلات السياسية والدولية لتكبيل يديه وتكبيده الخسائر البشرية. ففيما يحاول تيار المستقبل وحلفاؤه الإيحاء أن هذه التدخلات مصدرها واحد، هو حزب الله والدولة السورية، برغم حديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن عدم تدخل الحزب بالمعركة المقبلة ووضع نفسه في تصرف الجيش، ثبت أن التدخل الرئيسي اليوم ليس إلا من الجانب الأميركي.
فقد علمت «الأخبار» أن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزيف فوتيل، أجرى اتصالاً بقائد الجيش اللبناني جوزف عون، طلب منه فيه عدم التنسيق ميدانياً مع حزب الله أو الجيش السوري، وعدم إعلان هذا التنسيق في حال حصوله بحكم الامر الواقع، من منطلق أن لا ضرورة لنقل ما يجري في الميدان. وفعلياً تقاطع التشويش الخارجي مع التشويش الداخلي على الجيش عبر محاولة البعض تصويره بأنه يأتمر بأوامر حزب الله، وهو ما لمّح إليه بيان كتلة المستقبل أمس بالإشارة إلى «وجوب تخويل الجيش تحديد القرار المناسب في الشكل والتوقيت والأدوات المناسبة من أجل الدفاع عن لبنان بعيداً عن لغة الإملاء أو التوريط». على هذه الخلفية، عقد المجلس الأعلى للدفاع جلسة له أمس بناءً على طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، وبحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث طمأن كل من عون والحريري الولايات المتحدة عبر التشديد «على التزام الحكومة التحالف الدولي ضد الإرهاب». كذلك أعاد الحريري تلاوة الإملاءات الأميركية عبر التشديد على ضرورة عدم تنسيق الجيش مع الجيش السوري أو حزب الله. فيما كانت مداخلة من وزير المال علي حسن خليل، لفت فيها إلى أن التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري حتمي، ولا إمكانية للقفز فوقه.

سيتسلّم الجيش، قريباً، من الحزب الأراضي التي حرّرها من «النصرة»
وأعطى مثالاً على ذلك «بدء الجيش السوري معركته ضد داعش بالتزامن مع بدء هجوم الجيش اللبناني، ما سيخفف العبء عن جيشنا، وإذا فرت مجموعات من داعش إلى داخل الأراضي اللبنانية، هل المطلوب هنا ألا يبلغ الجانب السوري الجيش اللبناني بمواقع هذه المجموعات؟». وأكد خليل أن التنسيق ضروري في هذه الحالة، ولا يمكن الهروب منه، فهو واجب من أجل ضمان حماية جنود الجيش وضباطه.
وخارج الاجتماع، ورغم انشغال البلد اليوم بالتشديد على ضرورة عدم تنسيق الجيش اللبناني وحزب الله، فإن التنسيق قد حصل فعلياً بين الطرفين، وبات «خَلفَنا». إذ جرى الاتفاق بين الطرفين على أن يتسلّم الجيش «قريباً جداً»، وقبل بدء المعركة ضد داعش، الجزء الأكبر من الأراضي التي حررها حزب الله من «النصرة»، وتحديداً المواقع القريبة من بلدة عرسال، على أن تبقى المقاومة منتشرة في الجزء المحاذي للأراضي السورية، قبالة جرود فليطا. كذلك تمّ الاتفاق على عدم تنفيذ الحزب لأي هجوم عسكري باتجاه الجرود التي تحتلها داعش من داخل الأراضي اللبنانية، إنما سيعمل على تشكيل خط صدّ في وجه «داعش» إن حاول اختراق هذه المنطقة، وذلك بناءً على طلب الجيش اللبناني. وبالتزامن مع هجوم الجيش، سيبدأ حزب الله والجيش السوري وحلفاؤهما هجوماً على «داعش» من داخل الأراضي السورية. وأكّدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أن الجيش لن يبدأ المعركة إلا بعد انتهاء كافة التجهيزات اللازمة لها، كما بعد انسحاب مقاتلي «سرايا أهل الشام» إلى سوريا، فضلاً عن تسلّمه من حزب الله المواقع التي حررها من «النصرة».