السيدة أنجيلا ميركل هي: أولاً عالمة أبحاث كيميائية. ثانياً نائبة عن ولاية مكلنبورغ ــــ فوربومرن منذ عام 1990. ثالثاً أول زعيمة لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي منذ عام 2000. رابعاً مستشارة للائتلاف الحاكم في ألمانيا منذ عام 2005. وهي قادت حزبها خامساً إلى الانتصار في ست من أصل سبع ولايات ألمانية عام 1999 قبل أن تحقق الانتصار الأكبر في تاريخ ألمانيا الحديث في انتخابات 2013 الاتحادية.
وكانت شعبيتها قد ارتفعت إلى نسبة تأييد بلغت 77% وفق الاستطلاعات الألمانية عام 2014 نتيجة معالجتها لأزمة اليورو، قبل أن تنخفض إلى 47% نتيجة ترحيبها المتواصل بالمهاجرين. ومع ذلك قال 56 في المئة من المستطلعين الألمان بعد أيام قليلة من هجوم برلين 2016 إنهم يثقون بأن ميركل هي الزعيمة السياسيّة القادرة على حل مشاكل بلدهم. وهي سادساً السياسية الوحيدة التي حضرت كل اجتماعات مجموعة العشرين منذ الاجتماع الأول عام 2008.
آخر المدافعين عن الغرب الليبرالي بحسب «نيويورك تايمز» وزعيمة العالم الحر بحسب الكثير من المعلقين الغربيين، وصفت أيضاً بأنها «صاحبة القرار» في السياسة الداخلية للاتحاد الأوروبي من إصلاح نظام الرعاية الصحية إلى أزمة المهاجرين. علماً أن «مستشارة العالم الحر» وفق غلاف مجلة التايم، تتزعم مجموعة السبع، وسمتها «فوربس» عشر مرات أقوى امرأة في العالم. وهي فوق هذا كله امرأة تقود حزباً يهيمن عليه الرجال، بروتستانتية تقود حزباً مسيحياً اجتماعياً محافظاً ذا جذور كاثوليكية عميقة. وهي انطلقت في مسيرتها من الدعوة إلى تغيير قانون العمل الألماني وفسح المجال أمام تسريح الشركات للموظفين وزيادة ساعات العمل، وفي الوقت نفسه مكافحة البطالة. وهي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها تفتح حدود بلادها أمام اللاجئين السوريين. وتخلط في مناظرة تلفزيونية بين الدخل الإجمالي وصافي الدخل، ثم تقدم حلولاً ناجعة لضمان استقرار الاتحاد الأوروبي الاقتصادي. تلتقي الدالاي لاما ثم تقود سبع وفود تجارية إلى الصين وتقوم بكل ما يلزم لاستضافة الرئيس الصيني شي جين بينغ ستة أيام في بلادها.
المهم أن المستشارة بكل ما تحمله من ألقاب وهموم وجداول مواعيد وقضايا كبرى وكيمياء وصلبان شرف أوروبية ونياشين إنسانية، فوجئت بهاتفها يرنّ يوم الجمعة الماضي، فوضعت كل ما تحمله جانباً، وفتحت الحقيبة الجلدية الحمراء التي تحملها عادة لتجد رقماً غريباً قال لها الـ»ترو كولر» إنه سعد الحريري. فكرت لثانيتين من يكون «سعد الحريري» فتذكرت رسالة التهنئة التي وردتها منه عام 2013 لفوزها بالمستشارية للمرة الثالثة على التوالي فيما هو يعجز عن البقاء في رئاسة مجلس الوزراء ثلاثة أشهر متتالية. وعليه، قررت أن ترد عليه. والدة ميركل كانت معلّمة لغة إنكليزية في إحدى المدارس، لكن الثابت أنها تتقن الروسية إلى جانب الألمانية، في ظل انقسام المحللين الغربيين وعجزهم عن الحسم إذا كانت تتقن الإنكليزية أو لا، نتيجة تمسكها كسياسية ألمانية محافظة باللغة الألمانية في جميع تصريحاتها. وعليه، يقول الخبر الذي عممه مكتب رئيس الوزراء إنه أجرى اتصالاً بالمستشارة دام نصف ساعة، لكنه لم يقل بأي لغة تحدثا. أما مضمون الخبر فيشير إلى تطرق ميركل والحريري إلى العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي والدعم المطلوب من المجتمع الدولي لمخططات النهوض الاقتصادي للحكومة اللبنانية والمقاربة التي تعتمدها لمواجهة أعباء النزوح السوري. ويمكن في هذا السياق تخيل الحريري يقول لميركل بعد السلام عليكم: «بدنا ياكي توقفي حدنا تنظبط الاقتصاد، وتوقفي حدنا تنواجه أعباء النازحين». وهي تجيبه: «أوكي أوكي»، لكن المكالمة تنتهي هنا في أقل من ثلاثة دقائق. ماذا حصل في الدقائق السبع والعشرين الباقية؟ لا أحد يعلم. مرّ على تعميم رئاسة مجلس الوزراء الخبر يومان، لكن يعجز الخيال عن تخيل محادثة واحدة يمكن أن تجمع الحريري وميركل أولاً وتدوم 30 دقيقة ثانياً. أخبرها إحدى نكات نائبه عقاب صقر مثلاً؟ قال لها إنه يشبهها بشيء واحد فقط هو الخلط بين الدخل الإجمالي وصافي الدخل؟ أعلمها أنه يعارض اعتماد النظام النسبي في الانتخابات. صارحها بعدم امتلاك بلده خطة للتعامل مع النزوح السوري غير تشجيع المجالس البلدية على التضييق عليهم ليغادروا صوب بلادها على عجل؟ أم أنه رجاها التوسط لدى القيادة السعودية التي سبق أن منحتها الوسام السعوديّ الأرفع لترتيب لقاء صغير له مع المسؤولين هناك الذين يواصلون تجاهله لأسباب مجهولة؟ هل عرض تقديم دروس خصوصية للمستشارة في كيفية استغلال موقعه للاستدانة من المصارف أم عرض عليها تمليك وسط برلين لشركة خاصة لإقامة ما يشبه سوليدير في ألمانيا، أم أنه اقترح عليها وضع اليد على طول شاطئ بحر الشمال ليتقاعد شقيقاها من عملهما في الأبحاث الكيميائية وينشئا منتجعات سياحية على غرار منتجعات أشقائه التي ستقوم فوق شاطئ الدالية المقابل للروشة؟ أو لعله نصحها بإغلاق التسعة آلاف محطة لمعالجة النفايات وتكليف أحد المقاولين إنشاء مطمر بمحاذاة أحد المطارات الألمانية. «الله أعلم» ماذا جرى في تلك المكالمة الهاتفية، لكن لا شك في أن رئيس الحكومة اللبنانية فاجأ المستشارة بنباهته وأفكاره النيّرة وجعلها تحلم لو كان في القارة العجوز شاب بهذا القدر من الذكاء ليساعدها في حماية الليبرالية في الغرب ويسهم معها في توفير الحلول الاستثنائية العظيمة لكل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأوروبيّ.