منذ أشهر طويلة، تنتظر الهيئات الاقتصادية اللحظة التي سيتم التوصل فيها الى اتفاق بين الأطراف السياسية ينهي عهد الفراغ، "ويعيد إحياء الوضع الاقتصادي". رفعت الهيئات مطلب انتخاب رئيس للجمهورية كشعار لها طوال المرحلة الماضية، رابطةً الأمر بالاقتصاد. أمس، كانت هذه الهيئات أول المهللين بالعهد الجديد "الذي سيكون له بالتأكيد انعكاس إيجابي في المرحلة المقبلة على الواقع الاقتصادي وعلى القطاعات الإنتاجية"، وفق رئيسها الوزير السابق عدنان القصار. تُجمع الهيئات الاقتصادية على أن الأمر لا يتعلّق بشكل مباشر بانتخاب رئيس للجمهورية، بل في دلالات الانتخاب وما يعنيه ذلك من تفاهم بين القوى السياسية المختلفة والقدرة على الوصول الى تسوية تبدأ بانتخاب رئيس وتكمل على كل الصعد.في خطاب القسَم، تحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون عن ضرورة وضع خطة اقتصادية، وهو ما تلقفته الهيئات بحماسة.
تفاؤل كبير عبّرت عنه جميع الأطراف، واعدةً اللبنانيين بأن الوضع الاقتصادي انفرج، لكن كيف يرتبط انتخاب رئيس للجمهورية بانتعاش الوضع الاقتصادي؟ ما هي مطالب الهيئات في العهد الجديد؟ وهل بدأت تظهر مؤشرات الانفراج؟
يشرح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس أن انتخاب رئيس للجمهورية في هذا التوقيت تحديداً ستكون له انعكاسات إيجابية كبرى على الاقتصاد، إذ إن الفصل الأخير من العام هو أهم فصل في الدورة الاقتصادية، إذ يشكّل وحده ما نسبته بين 35% و40% من الاستهلاك السنوي بسبب عيدَي الميلاد ورأس السنة. برأي شماس، "سنرى لأول مرة منذ سنوات انعطافة باتجاه النمو الاقتصادي". لكن كيف؟
شماس: سنرى لأول مرة منذ سنوات انعطافة باتجاه النمو الاقتصادي

تنظر الهيئات الاقتصادية الى الرابط بين السياسة والاقتصاد من خلال عدد من المحركات التي تؤلف الاقتصاد. يشرح شماس أنّ "المحرك الأسرع في الاقتصاد اللبناني هو الاستهلاك الذي يمثّل 80% من الناتج ، إلا أنّ هذا المحرك مكبوت منذ سنوات لأسباب عدة؛ منها تراجع القدرة الشرائية وتردد الناس في شراء المشتريات الخاصة بالسلع المعمرة والكماليات التي تحرك الدورة الاقتصادية، وبالتالي تحسن الوضع السياسي سيلغي هذا التردد وسيحرك عجلة الاستهلاك التي سيكون لها تأثير فوري على الاقتصاد". تترقب الهيئات الاقتصادية اليوم بحماسة الخطوة المكمّلة لانتخاب رئيس، والمتمثلة بتشكيل حكومة توافقية. يقول شماس إنه "في حال تشكلت حكومة في غضون الشهر الجاري، ستكون هذه إشارة مهمة نطلقها للخارج، وعندها يدخل المحرك الثاني للاقتصاد في عملية الانتعاش وهو الاستثمار، وتحديداً الأجنبي الذي يحتاج الى وقت أطول ليستعيد نشاطه".
أولى بوادر "الانتعاش" الاقتصادي المرتبط بالوصول الى التسوية الرئاسية، تمثّلت في قرار "جمعية منشئي وتجار الأبنية" بالطلب من تجار البناء زيادة عدد الشقق بنسبة 20% بسرعة "لاستقبال السوق بطريقة مستقرة وكي لا يكون هناك نقص في العرض"، وفق ما أعلن رئيس الجمعية إيلي صوما. فمنذ أسبوع، أي مع إتمام التسوية، بدأ الطلب على قطاع العقارات من الخارج وتحديداً من كندا وأوستراليا وأوروبا، للاستفسار عن العرض الموجود في السوق، على ما قال صوما لـ"الأخبار"، ما استدعى القرار الأخير للجمعية الذي اتخذته منذ 3 أيام، والذي سيبدأ تنفيذه حالاً، إذ إن "التجار لديهم تراخيص جاهزة"، وبالتالي لا حاجة لإضاعة الوقت في بيروقراطية الإدارات.
هل هذا يعني أننا مقبلون على فورة عقارية جديدة؟ يقول صوما إنّ قراراً آخر اتّخذ في الجمعية وهو "عدم رفع الأسعار على المدى القصير كي نبقى على الطريق السليم، لأن الجميع اشترى الأرض منذ فترة وسيبدأ بالبناء، ولكن مع الوقت سترتفع أسعار الأراضي، وبالتالي سيرتفع السعر". في رأي صوما، هناك حاجة لزيادة أعداد الشقق لأنه في السنوات السابقة للركود، كان يتم بناء 25 ألف شقة سنوياً، وخلال السنوات الأربع الماضية تم تخفيض العدد الى 16 ألف شقة سنوياً، وبالتالي "سنعيد العدد الى 25 ألفاً، إنما بتروّ وبهدوء كي لا تصبح لدينا شقق فارغة". يفصّل صوما توزيع الشقق بأن هناك 9 آلاف شقة تباع سنوياً بتمويل من القروض السكنية، 1500 شقة للمغتربين، 1500 للمواطنين المحليين، وبالتالي هناك فقط 4 آلاف تبقى معلّقة ضمن الاحتياطي.
مطالب الهيئات الاقتصادية اليوم انتقلت من انتخاب رئيس الى الإسراع في تشكيل حكومة توافقية بالدرجة الأولى، وفق ما يقول رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير، مشدداً على أن يحصل التشكيل خلال الشهر الجاري. أمّا المطلب الثاني فهو "إعادة العلاقات السليمة مع دول الخليج لأنه لا يمكن للبلد أن ينتعش اقتصادياً وسياحياً واستثمارياً من دون دول الخليج التي تشكل شريكاً أساسياً للبنان". كذلك يعبّر شماس عن مطلب أساسي يتمثّل "بعودة النازحين السريعة الى ديارهم"، مشيداً بخطاب رئيس الجمهورية. يضيف شماس الى المطالب "ضرورة السعي لتحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإعادة النمو الاقتصادي الذي من المتوقع أن لا ينخفض عن 5% في السنة المقبلة".