المتذرعون بنفوذ جعجع المتزايد للدفع باتجاه انتخاب فرنجية رئيسا لا يدركون الواقع العوني الشعبي
ثانية الخسائر وأفدحها هي ثقة العونيين. ولا بد من القول هنا إن فرنجية ما قبل ٢٠٠٥ هو غير فرنجية بعد ٢٠٠٥، ليس بسبب الحزب الذي أطلقه ووضعه فوق الرف، ولا النهج السياسي المردي، ولا تجربته المناطقية، ولا "إنجازات" الوزير السابق سليم كرم الاستثنائية، ولا ولائم الشيخ فريد هيكل الخازن، إنما بسبب تفاعل الجمهور العوني معه أكثر بكثير من تفاعل هذا الجمهور مع القياديين العونيين أنفسهم. وكاد لا يخلو حديث عما "بعد الجنرال" من إشارة إلى حضور فرنجية الذي عرف كيف يكسب ود الجمهور العوني من جهة، ويوطد علاقته مع أساسيي التيار الوطني الحر من جهة ثانية، قبل أن يناوله الحريري المطرقة لتحطيم هذا كله. وهو لا يفوت مناسبة لتحطيم المزيد إلا يستغلها، مستمتعاً بحلوله عن قصد أو عن غير قصد محل رئيس حزب القوات سمير جعجع عند هذا الجمهور. وسواء كان فرنجية يعلم أو لا يعلم، فإنه يغلق هنا باباً تستحيل إعادة فتحه عند من سيذكرون في نهاية الأمر أن جعجع وقف بجانب جنرالهم حين احتاجه، فيما قرر فرنجية أن يكون في المقلب الآخر. ولا شك في هذا السياق أن الرهان على مستقبل لفرنجية في جبل لبنان سقط سواء ربح رهانه الرئاسي أو خسره، وقبله كثيرون لم تبدل الرئاسة شيئا في واقعهم الشعبي المأزوم في جبل لبنان. وفي أحسن الأحوال يمكن القول إن النائب السابق فريد هيكل الخازن ورئيس بلدية جبيل زياد حواط والياس المر بوسعهم الفوز ببضعة مقاعد نيابية إذا دعمتهم حركة أمل والطاشناق، لكن ذلك لا يوفر بديلا قادراً على مزاحمة جعجع ومحاصرته. والخلاصة هنا تفيد بأن جعجع ــ بالتنسيق أو من دون تنسيق مع الحريري ــ أبعد فرنجية من طريقه. ساعده الجنرال طبعا، لكن فرنجية ساعده أكثر.
ثالثة الخسائر تستدعي من فرنجية نفسه استذكار ما كان يقوله في مجالسه الخاصة عن النواب فريد مكاري وبطرس حرب ودوري شمعون وهادي حبيش وغيرهم من "مسيحيي تيار المستقبل"، قبل أن يتقدم صف هؤلاء ويصبح مرشحهم الرئاسي الأول. فمن كانوا يتوقعون أن يحرج الجنرال ومناصريه بأن يكون مرشح أنطوان زهرا وخالد ضاهر كانوا يتوقعون إحراجا بالقدر نفسه لفرنجية بأن يكون مرشح أحمد فتفت ورياض رحال وفؤاد السنيورة. فلا بد من إعادة النظر بمرشح زهرا والسنيورة، أيا كان هذا المرشح.
رابعة الخسائر تتمثل برصيد كبير من العلاقات السياسية والإعلامية والحزبية الجانبية، التي راكمها فرنجية خلال عشر سنوات قبل أن يقرر أن كل من لا يوافقه الرأي مئة بالمئة هو ضده، وابتدأ فريقه المفترض الحديث فجأة عن قليلي الوفاء، وكأن لفرنجية دينا مستحقا عند كثيرين، بدءا من الرابية، فيما العكس مع الأسف هو الصحيح.
ما سبق لا يرمي إلى التشويش على فرنجية أو الإساءة إليه، ففي صالونات سياسية كثيرة هناك من يريدون لهذا البيت السياسي الاستمرار بقوة أكبر، لكن زعيم المردة لا يسعه القول لعشر سنوات إنه لا يريد وضع الحجر الأساس لنفوذه في جبل لبنان لعدم استفزاز عون، ثم يقرر استفزاز العونيين ــ لا عون وحده. لا يسعه القول إن جعجع خصم خطير، ثم يسهم في تقديم العونيين له على طبق من فضة. وهو لا يستطيع الاستمرار في انتظار بيانات فؤاد السنيورة ليتيقن من استمرار ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، أو تراجعهم عنه. لا يمكن سليمان فرنجية أن يكون هنري حلو آخر؛ هو بالذات مطالب بتقديم نموذج آخر، سواء في تعاطيه مع العونيين وفهم رغبتهم الوجودية برؤية عون في بعبدا، أو بتعامله مع الحريري وإفهامه أن السياسيين ليسوا دمى ورث عن والده القدرة على اللهو بهم. ولا يمكنه بطبيعة الحال البقاء منتظرا أن ينتخب رئيسا غصبا عن العونيين، أو التفرج على زملائه ينتخبون عون رئيسا فيخسر هو كل شيء. فرنجية تحديدا ليس ممن يقولون أنا أو لا أحد؛ البيوتات السياسية لا تحتمل هذا النوع من الرهانات، وفرنجية تحديدا في غنى عن مراهنات يمكن أن تخسره كل شيء، لكنها لن تربحه في المقابل كل شيء، بل مجرد كرسي في بعبدا.