مع انتهاء آخر فصول استحقاق الانتخابات البلدية، في محافظتي عكّار والشمال أمس، أرست النتائج الأولية في بلدات الكورة فرزاً سياسياً واضحاً بين قوتين رئيستين في القضاء هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب القوات اللبنانية، مع ظهور دور بارز لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. خسارة الوزير السابق فايز غصن للمعركة في بلدة كوسبا، لصالح لائحة مشتركة قواتية مع النائب نقولا غصن بـ 15 عضواً ومختارين وفوز المردة بمختار، نَغَّصت إثبات الحضور الذي عمل عليه تيار المردة في القضاء، ترشيحاً وانتخاباً. علماً بأن اللائحة التوافقية التي قبلت بها غالبية الأطراف بداية، كان يمكن أن تجنّب وزير الدفاع السابق الخسارة الكاملة.الانقسام الحاد بين القوتين المتصارعتين تاريخياً، القوميين والقواتيين، لم يبدّد الهدوء اللافت في كل البلدات، في ظلّ تأكيدات الطرفين أن التنافس ديموقراطي إنمائي، ينتهي بنهاية اليوم الانتخابي.
الهدوء انسحب على المعارك الانتخابية في كبرى بلديات القضاء: في أنفة فازت اللائحة الائتلافية التي شكّلها مكاري بمشاركة القوميين والقوات، وخرج منها التيار الوطني الحر في اللحظات الأخيرة، مع فارق كبير في الأصوات بين لائحة مكاري والمرشحين المنفردين. وفي أميون، فاز القوميون بلائحة من 15 عضواً مدعومة من المردة، وتضم عضوين محسوبين على التيار الوطني الحر.
أظهرت أرقام القرى السنية تراجعاً كبيراً لدور تيار المستقبل في القضاء
وحتى ساعة متأخرة من الليل، لم تكن قد حُسمت نتائج صناديق الاقتراع في بلدة كفرعقا، التي تحيطها القوات بعناية خاصة وشكّلت فيها لائحة حزبية واضحة، في مواجهة بلدة أميون المجاورة المحسومة للقوميين. وبحسب نتائج ماكينة القوات، فإن النتائج الأولية أشارت إلى فوز القوات بـ 11 عضواً من أصل 15 في كفرعقا، مقابل خرق لائحة فيليب بولس المدعومة من المردة بأربعة أعضاء، علماً بأن آل بولس خاضوا المعركة في 2010 إلى جانب قوى 14 آذار.
«الأخبار» رصدت النتائج الأولية عبر ماكينتي القومي والقوات في غالبية بلدات الكورة، التي تنافست فيها لوائح في حوالي 36 بلدية. مصادر الماكينة المركزية للقومي في أميون أشارت إلى فوز اللوائح المدعومة من القومي وحلفائه بحسب النتائج الأولية في بلديات: كفرقاهل، بكفتين، بترومين، بتعبورة، كفرحاتا، دار شمزين، كفتون، قلحات، دبا، كفرصارون، أميون، بطرام (خرق عضو من اللائحة المقابلة)، المجدل، عابا، عفصديق، برسا (خرق القواتيون اللائحة بثلاثة أعضاء). وفي فيع، بحسب ماكينة القومي، خرق القوميون اللائحة المدعومة من القوات بثلاثة أعضاء مقابل تسعة.
في المقابل، تؤكّد مصادر ماكينة القوات في الكورة فوز اللوائح المدعومة منها في كفرحزير (خرق عضوان من اللائحة المنافسة)، بزيزا، فيع، بشمزين، بصرما، عين عكرين، رشدبين، كوسبا، داربعشتار (كبرى البلدات المارونية في القضاء). وتحسب ماكينة القوات فوز اللائحة الائتلافية في بطرام من حصتها، وكذلك القوميون. ففي حين يؤكّد النائب القواتي فادي كرم لـ«الأخبار» أن اللائحة في بطرام شكّلها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، تؤكّد مصادر القومي أن اللائحة ائتلافية وشكّلتها غالبية القوى، مع وجود قواتيين في اللائحة المقابلة الخاسرة. ولفت كرم إلى أن «الأجواء التنافسية في الكورة والهدوء الذي طبع الانتخابات انتصار لكلّ أهالي القضاء»، مشيراً إلى أن «يوم غد يبدأ الإنماء بالتعاون من جميع الأطراف الكورانية والبلديات». وتعليقاً على نتائج بلدة أميون، اعتبر أن النتائج التي حققتها اللائحة المقابلة للائحة القومي، من حيث ارتفاع فوارق الأرقام عن الانتخابات الماضية من 600 إلى 800 صوت، تؤشّر إلى «تغير في مزاج الشارع في أميون»، لافتاً إلى تبلور المواجهة السياسية مع القوميين في الكورة.
بدوره، يؤكّد منفّذ عام الكورة في الحزب القومي جورج برجي أن «معركة الإنماء بدأت في الكورة، وعلى البلديات الجديدة أن تقدّم التطور والتقدم لأهالي القضاء، في ظلّ غياب الدولة وتقاعس النواب». وفي حين لفت الى أن حزب القوات يعمل بجهد في الكورة، أشار إلى أن «بعض المعارك في القضاء لو خيضت بظروف مختلفة لكانت قلّصت من نتائج القوات، وعكست حجمها الحقيقي»، في إشارة إلى معركتي كفرعقا وكوسبا. وتابع ان «القوميين في الكورة يعكسون مزاج القضاء الحقيقي، ونحن قوّة وحدوية وقفت وستقف في وجه أي مشاريع تقسيم أو كانتونات».
وعلى رغم فوز لوائح مدعومة من تيار المستقبل في بلدات كفريا وجدعبرين وبتوراتيج، إلّا أن الأرقام تظهر تراجعاً كبيراً لدور التيار في القضاء. فاللائحة المواجهة للائحة المستقبل في جدعبرين، والمدعومة من القومي والمردة، نالت أصواتاً متقاربة جداً مع لائحة المستقبل، في غياب عوامل الشحن المذهبي والسياسي، التي استعملها المستقبل في 2010. أما في كفريا، كبرى بلدات القضاء السنية، فالفارق لم يتعد الأربعين صوتاً بين آخر الرابحين في لائحة المستقبل وأول الخاسرين في لائحة تحالف القومي ــ الفضل شلق، بعدما كان المستقبل يحصد أكثر من 70% من أصوات البلدة في السنوات الماضية. وتؤكّد مصادر شلق لـ «الأخبار» أن «الخاسرين لا يعتبرون أنفسهم خاسرين، ولديهم أسس الطعن في نتائج الانتخابات»، متهمين رئيس البلدية الحالي بـ«الاستيلاء على مال البلدية والمال العام». وتشير المصادر إلى أن «الرئيس الحالي خرّب البيئة في المنطقة، ولم يقم بوضع حدّ لشركات الترابة ومخاطر التلوث البيئي الذي تنتجه»، مؤكدة أن «الخاسرين سيشكلون بلدية ظلّ للتحرك ضد الرئيس الحالي».
ويترك تقاسم القوميين والقوات بلديات الكورة، وتأثيرات المردة ومكاري، أسئلة حول مصير رئاسة اتحاد البلديات، وكذلك مصير الصراع السياسي والنيابي في القضاء والشمال بشكل عام، بعدما ثبت خروج الشمال بمعظمه عن خارطة التحالف القواتي ــ العوني، في أبرز البلدات المسيحية الرئيسية من زغرتا إلى أميون ورحبة وتنورين والقبيات.