بكل أسف، اضطرت مذيعة «تيار المستقبل»، أو تلفزيون «المستقبل»، إلى أن تقطع اللقاء الهام مع منسق منطقة بيروت في «القوات اللبنانية» المهندس عماد واكيم، للتوجه مباشرةً إلى طريق الجديدة. عموماً، حظيت المنطقة بالاهتمام المعهود، من القناة الحريرية، لوجود قناعة تبلورت منذ 2005، بضرورة أسطرة المنطقة المتواضعة، وضرورة صناعة معقل للتيار، على غرار ما تمثله الضاحية الجنوبية لـ «حزب الله». لكن من الناحية الإعلامية، أمس، كان واضحاً، أن التيار يشعر بالريح تحته.إذًا، نحن الآن، مباشرةً من «المعقل»، مع النائب محمد قباني. يُعلن النائب الممدد لنفسه، والمحتفل بالعرس الديموقراطي، أنه أدلى بصوته صباحاً في عين المريسة، هناك، حيث وقعت الحادثة الشهيرة قبل بضعة أعوام، حين ذهب لطرد الصيّادين «البيارتة»، بحجة أنه «يمثّل» المنطقة. آنذاك، لم يقل إنّ البحر ملك شخصي له، لكنه وصل إلى حافة القول، بعدما وصل الاشتباك بينه وبين سكان بيروت «الأصليين» إلى حافة الضرب. والمحصلة، في الفترة الصباحية، على «المستقبل»، أن قباني «زعلان»، لأنه جال على «القلم السُني»، في مدرسة عمر فروخ، كما قال، واكتشف أن نسبة التصويت كانت ــ في منتصف النهار ـــ لم تتجاوز الـ 16%. تعاجله المراسلة مهى ضاهر بحرصٍ وغضب فوراً: «بس ما فيهن يضلوا نايمين، لازم ينزلوا». يا للحكمة وسرعة البديهة الصحافية التي لا يضاهيها شيء، إلا النهار الطويل على «المستقبل». نتحدث هنا، عن اللهجة الحميمية لأمين الداعوق، رئيس مجلس الأمناء في «جمعية المقاصد الإسلامية»، وعن خطابات الرئيس الراحل رفيق الحريري التي بثت على نحوٍ متقطع. الرئيس الذي لم يكن محبوباً في الأشرفية قبل 2005، وعلى الأرجح لن تحبّه بعد اختيار نجله سعد «إم خالد» كسلوغان للائحته للفنون الشعبية. نتحدث عن رائحة «سوليدير» التي تفوح من كل "بروموشن" على «الفيوتشر». وطبعاً، عن رائحة النفايات التي ما زالت عابقة من الصيفي إلى خلدة، مروراً بنفق سليم سلام، ونفق البلاد المظلم الذي لا خروج منه، اللهم إلا إذا وصل السيد جمال عيتاني، كما نعلم جميعاً، الذي هو خير خلف لأفضل سلف. و«حلو الوفا».
في جولتها على بعلبك، لم تتخل MTV عن نفَسها الاستشراقي في اكتشاف المنطقة

الحديث عن عيتاني، هو مدخل آخر للحديث عن الأداء الإعلامي الفذ. لم يُسأل الرجل عن البلدية السابقة وأخطائها. لا شيء إطلاقاً متعلقا بالبلدية بما هي بلدية لا ميداناً لمعركة في المخيال السياسي اللبناني التقليدي. لم يُسأل عن مشاريع أو عن مشروع واحد. كرر خطابه العنصري عن «أهل بيروت» وحدهم ووحدهم. ولم يعترض أحد من الصحافيين ولا من يعترضون. تمحورت الأسئلة ودارت حول أدبيات السلطة وخطابها، إن كان من مراسلي «المستقبل»، أو من الأشاوس الآخرين. سُئل عن المناصفة، بين الطوائف طبعاً، لا بين الجنسين. وهنا يجب الإنتقال إلى MTV، حيث فوجئ أحد الضيوف المعادين للائحة «بيروت مدينتي»، بظهور مصطلحات من نوع «النسائية». بمعزل عن لهجته الركيكة، فالمناصفة الوحيدة التي يعرفها الرجل، هي المناصفة بين الطوائف. هكذا نشأ، وهكذا اعتاد. وهكذا يرى البلاد. طوائف فوق طوائف، أرقام فوق أرقام. سرعان ما نكتشف اسمه: جوني أبي نجم، وهو رئيس تحرير موقع الكتروني يدعى «آيم ليبانون». الرجل الذي ارتدى قميصاً مقلماً على موضة التسعينيات، تحت جاكيت رمادية باهتة، رأى أن التغيير مستحيل، وأنه لا أحد يمكنه أن «يضرب سعد الحريري في بيروت»، وجدد استغرابه من مصطلح «النسائية»، فالمشكلة الوحيدة في البلاد هي سلاح «حزب الله».
في جولتها على بعلبك، لم تتخل MTV عن نفَسها الاستشراقي في اكتشاف المنطقة. وهي في بيروت لم تفرد مساحة عادلة للتغطية لحركة مؤيدي لائحة «بيروت مدينتي»، بل ركزت على نشاط لائحة «تيار المستقبل»، على غرار بقية المحطات، باستثناء «المنار»، التي لم تشعر أنها معنية أصلاً بالعاصمة. هنا «المنار»: سحمر، زحلة، يحمر، بعلبك، الفاكهة، اللبوة. الريح تحت «المنار» في البقاع؟ لا يمكن قول ذلك. المراسل يقول إن الوفاء للمقاومة مضمون. صراع دائماً من المراسلين، على ضرورة الوفاء للنهج المستمر منذ ثلاثين عاماً. كأنه مورفين. مورفين الوفاء: لسوليدير في بيروت، للحرمان في بعلبك، للإقطاع في زحلة (عائلياً وحزبياً)، ولا ندري ما الذي يخبئه الخطاب الإعلامي في الدوائر المقبلة. وهو خطاب، لا يخرج عن خطاب السلطة، على رأي ميشال فوكو، الذي يقول إن علاقات السلطة في المجتمع، متعددة ومخترقة ومميزة ومكونة للجسد الاجتماعي، ولا يمكن فصلها أو اقامتها أو توظيفها من دون انتاج ومراكمة وتوزيع وتشغيل أو توظيف لخطاب الحقيقة.
الحقيقة، أمس، على الشاشات، هي الآتية: سُنة. شيعة. عاصمة الكثلكة. مسيحيون. موارنة. إلخ إلخ إلخ. رغم أنه لا يوجد قانون كريه آخر لمحاصصة طائفية في الانتخابات البلدية، إلا أن الخطاب الإعلامي يأتي بالطوائف إلى الحدث. ولا أحد يعترض. الإعلاميون في لبنان لا يعرفون فعلاً أن الإعلام يجب ألّأ يكون مقيداً بخطاب السلطة، على الأقل إلى هذه الدرجة الفاضحة. يمكن حدوث تغييرات أحياناً، لا بأس. النائب والوزير ميشال فرعون نفسه أحدث تغييراً: لم يطلّ من سباق الخيل للحديث عن الانتخابات. الوزير نقولا صحناوي، اضطر أن يزور فقراء كرم الزيتون ليدلي بصوته في المدرسة هناك. «بيروت مدينتي» للأسف، على السوشال ميديا، أقوى بكثير مما هي عليه في الإعلام التابع السلطة. والأخير إعلام «مهضوم». بإمكان مراسلة OTV، ريما حمدان، أن تتحدث عن عرسال من رأس بعلبك. عادي. وبإمكان مراسلة lbci، هدى شديد، أن تتلعثم وهي تأتي على سيرة «لائحة أحرار دير الأحمر»، من أمام صورة للإمام الخميني في بعلبك، حيث يقع مركز انتخابي لـ «حزب الله».
Déjà vu. المشهد مألوف. المحللون الجهابذة أنفسهم. لا أستاذ جامعياً واحداً. لا مختص في الشؤون الحضرية والتخطيط المدني ليتحدث عن مشاريع بلدية. لا حديث عن أشجار، عن أرصفة، عن مدينة، عن قرية، عن زاروب حتى. لا مهندس مدنياً أو معمارياً. لا شيء من هذا كله على جميع المحطات على مدار النهار. وإن كان بودريار يقول إن الحرب على العراق لم تقع، في معرض حديثه عن دور الإعلام، فالإنتخابات البلدية اللبنانية، على سذاجتها، لم تقع. لا فارق بالنسبة إلى الشاشات اللبنانية بين إنتخابات نيابية أو بلدية أو اختيارية أو بين طوفان في النيبال. شيعة. سُنة. مسيحيون الخ.... هذا كل ما في الأمر. مراسلون يكثرون من الأخطاء باللغة العربية، ومحللون بأصوات منتفخة مع مساحيق لزجة للشعر. محللون من ذلك النوع الذين بمجرد رؤيتهم، يشعر المشاهد برغبةٍ عميقة في إطفاء التلفزيون إلى الأبد.