حيفا ــ فراس خطيببعد أقل من أسبوع من التعيين، سافر ديكل إلى ألمانيا، وعاد بعد أيام إلى مصر. 21 شهراً من المفاوضات غير المباشرة، مع حزب الله وحماس، كانت كفيلة بتوجيه الأضواء نحو الشخص الآتي من ظلال جهاز الأمن الإسرائيلي العام «الشاباك».
ديكل، الذي يبدو دبلوماسياً اليوم، ويحظى بإعجاب أهل الجنود الأسرى، ودلال الصحافة العبرية، هو خريج لواء المظليين الإسرائيلي، وخدم ما يقارب ثلاثة عقود في أروقة «الشاباك»، ومن المناورين الكبار لسياسة التصفيات والاغتيالات، وكان أحد أكبر المؤيدين لاغتيال القادة الروحيين والسياسيين لـ«حماس»، وفي مقدمتهم، أحمد ياسين.
كانت سيرته بعيدة عن الجمهور الإسرائيلي بحكم تقاليد الاستخبارات، لكنّه عزّز مكانته الإعلامية عندما حمل مسودة الصفقة الأخيرة إلى الحكومة الإسرائيلية، متمتعاً بإجماع المعلقين، بتحقيقه «إنجازاً ذاتياً». وصوتت الحكومة الإسرائيلية إلى جانب الصفقة «بعد تردد»، وبهذا، يكون ديكل قد عوَّض قليلاً من خسارته رئاسة الشاباك لمصلحة يوفال ديسكين في عام 2004. ومرّر صفقة التبادل رغماً عن معارضة ديسكين الشديدة.

الوسيط الفيزيائي!

قليل من الإسرائيليين يعرفون ديكل الآتي من أروقة «الشاباك» الإسرائيلي إلى حقول الوساطات والصفقات. عمره اليوم 58 عاماً، أبٌ لثلاثة أبناء (أحدهم متدين) وجدّ لأربعة أحفاد. ولد في القدس، وانتقل للعيش في الوسط، في مدينة هرتسليا مع عائلته، قريباً من قلب الدولة العبرية النابض، تل أبيب.
بعد تحرره من لواء المظليين، لم يكن الاستمرار في جهاز الأمن مطروحاً. درس الكيمياء والفيزياء في الجامعة العبرية. في مادة كتبها، روني شاكيد في نهاية حزيران، قال إن والدة ديكل أرادته «عالماً». في عام 1976، عندما كان عمره 26 عاماً، أحجم عن «طريق العلوم» وانضم إلى الجهاز الاستخباري الإسرائيلي، «صدفة» كما يقول مقربون.
تعلم العربية في غرف الجهاز المغلقة، وكان زميلاً لآفي ديختر (رئيس الشاباك السابق، ووزير الأمن الداخلي الحالي). اتجه ديكل بالمسار التقليدي في جهاز الأمن العام، من قاع القاعدة إلى أعلاها. كان مسؤولاً عن تجنيد عملاء الاحتلال في رام الله، ومن بعدها صار مسؤولاً عن منطقة رام الله كاملة. تربطه علاقة وثيقة مع الرئيس السابق لـ«الشاباك»، يعكوف بيري، ونائب الرئيس السابق لـ«الشاباك» جدعون عزرا. وقال محلل شؤون الاستخبارات في «هآرتس»، يوسي ملمان إنَّ «ديكل استشار بيري كثيراً قبل إتمام الصفقة مع حزب الله».
ومع بداية تسعينيات القرن الماضي خرج لعطلة تعليمية، درس الحقوق في جامعة «بار إيلان». وقال شاكيد في «يديعوت أحرونوت» إنّ أحد زملائه في الدراسة كان إيغال عامير قاتل رئيس الحكومة الإسرائيلية، إسحق رابين، في عام 1995.
في أواسط التسعينيات، وبعد إنهاء دراسته، عاد ديكل إلى «الشاباك»، الذي ساده التوتر عقب اغتيال رابين. كان الاغتيال علامة سوداء في تاريخ الجهاز، وأثار تساؤلات وانتقادات كثيرة للجهاز الذي لم يستطع إحباط الاغتيال، ولم يمتلك أي معلومات استخبارية سابقة.
في ظل تلك الأزمة العاصفة في جهاز الأمن العام، عيَّن ديكل في عام 1996 مسؤولاً عن القسم «غير العربي» في «الشاباك». بعد أربع سنوات، وتحديداً في عام 2000، عيَّن مسؤولاً عن منطقة القدس المحتلة والضفة الغربية. وربطته علاقة صداقة مع رئيس بلدية القدس في حينه، إيهود أولمرت. الاثنان يهويان الرياضة، كانا يركضان ويتدربان في قاعة «الشاباك» الرياضية. ولا تزال الصداقة بينهما حتى هذه الساعة.
كانت طريق ديكل تسير بسهولة نحو القمة. عيّن في عام 2003 نائباً لرئيس «الشاباك»، آفي ديختر. في عهده، بلور «الشاباك» سياسة الاغتيالات والتصفيات، وهو مَن صاغ موقف الشاباك الإسرائيلي من قضية فك الارتباط عن غزة بقوله: «فك الارتباط جيدة للأمن، هذا جيد لليهود».

نهاية حزينة

نهاية حياته «الشاباكية» كانت في عام 2004. كان ديكل قريباً من رأس هرم الجهاز. كان منافساً قوياً على رئاسته، لكنه خسر المنافسة لمصلحة يوفال ديسكين الذي تلقى دعم الرئيس السابق لـ«الشاباك» آفي ديختر (رغم زمالة ديختر طويلة الأمد لديكل) أيضاً، ودعم رئيس الحكومة في حينه أرييل شارون، في وقت كان فيه معسكر شارون الداخلي أقوى من معسكر إيهود أولمرت الداعم لديكل. وقال شاكيد في مقالته: «يقال إن من رجح كفة الميزان لمصلحة ديسكين، كان عمري شارون (نجل أرييل شارون)».
ديكل «يتمتع بالرسمية والصمت والصبر»، كما يقول مقربوه. لا يتحدث كثيراً، وقبل واقعة خسارته ليوفال ديسكين وخدم شهوراً تحت سلطته واعتزل المخابرات من بعدها. لكن الجرح لم يندمل بعد. كان الخلاف بين ديسكين وديكل حاضراً ومبطناً أثناء المحادثات عن صفقة تبادل الأسرى. وامتد النقاش أيضاً إلى رئيس «الموساد»، مئير دغان، المعارض هو أيضاً للصفقة. حاول ديكل إقناع أعضاء الحكومة، بأن ثمن الصفقة منخفض نسبة إلى صفقات أخرى، وحزب الله «ليس متحمساً لإتمامها». عندها، عارضه دغان، فوجد ديكل فرصة لتوجيه لضربة صغيرة لدغان تحت الحزام، وردَّ عليه بسخرية: «أنت لا تعرف، فأنت لست مخولاً قراءة المواد». حوار اقتبسته الصحف الإسرائيلية، مسجلة إنجازاً «ساخراً» لديكل إيضاً ضد الشخص القوي، دغان.