بدّلت حركة الشعب مقرها أخيراً. غادرت المقر الذي شهد انطلاقتها لدواع مادية. استأجرت مكتبين عند نزلة السلطان إبراهيم في بئر حسن. عند مدخل المبنى، ارتفعت رايات حركة أمل أمام لافتة حمراء معلقة على جدار الطابق الأول. في الداخل، تشير عناوين شاغلي المبنى إلى أن لـ «أمل» أربعة مكاتب. فأي حركة دخيلة على الثانية، حركة الشعب أم أحد حركات السلطة؟ يقول رئيس الحركة نجاح واكيم: «نحن الدخلاء». يداه الفارغتان تشبهان حال صندوق الحركة التي تعتمد على تبرعات المنتسبين المتطوعين فيها. لا طاقة لهم لشراء أو استئجار مقر. وإن استطاعوا «ما حدا بيأجرنا» يقول واكيم. لكن أحد الرفاق حل المشكلة. آواهم ببدل في مكتبين أخلاهما والده.
أمس، كانت الحركة مضاعفة في مقر الحركة. في قاعة الاجتماعات المشرع بابها على صالة الإستقبال، تحلق عدد من الأشخاص حول واكيم. إنهم ممثلون لحركات وتيارات قومية وعروبية وناصرية من لبنان والعالم العربي، تستضيفهم الحركة للبحث في تأسيس جبهة شعبية عربية «تنضوي فيها كل القوى والفاعليات الشريفة التي يجب أن تضع أمتنا في الموقع الصحيح من الصراع العالمي وتكافح مع أصدقائنا الدوليين والإقليميين من أجل الأهداف العليا لأمتنا في التحرر والتقدم والوحدة». في مكتب آخر، شُغلت منسقة الحركة مجدولين بمتابعة انطلاقة أعمال المؤتمر العام الثالث للحركة في فروع المناطق. ينص النظام على أن يُعقد المؤتمر كل عامين. ليست الظروف الأمنية التي أجلت عقده منذ عام 2009، بل شعور الرفاق بأنهم ليسوا جاهزين لتقديم نموذج مختلف بعد سنوات على التأسيس.
ليس الشعب هو السيئ بل القوى التقدمية التي فشلت في استقطابه


الآن، يبدو الشاب الذي لا يزال صوته المعارض يدوي في مجلس النواب في أذهان الناس، واثقاً بأنه يقدم تجربة جديدة كما قدم في تجربته النيابية. يقول إن الحركة «تجاوزت مرحلة الصمود وباتت قادرة على الانطلاق لتحقيق أهدافها. من هنا، سيشهد المؤتمر تغييرات لافتة، إن لجهة عمل الحركة أو أساليب العمل وتوسع مجالاته». بفرح الأب الفخور، يعرض واكيم عدد الشبان والشابات الذين انخرطوا في صفوف الحركة في العامين الماضيين. لا يجد الميل لحركة علمانية ووطنية وسط إغراءات الطوائف والمال والسلاح والوظائف والخدمات، أمراً مستغرباً. «ليس الشعب هو السيئ، بل القوى التقدمية التي فشلت في استقطابه على ضوء مشروع يمثلها» يقول. الحزب الأكبر في لبنان برأيه هو «حزب المتمردين على كل شيء»، فيما تلك القوى تنعى مأزقها وانكماشها وتسلل مناضليها إلى طوائفهم، أعلن واكيم تأسيس فرع جديد للحركة في جبيل والمتن وكسروان. الفرع أسسته مجموعتان من الناشطين لا يعرفون بعضهم بعضاً ولا تعرفهم قيادة الحركة في الوقت ذاته. رأوا أن حركة «الأوادم غير المرتهنين لأحد» تمثلهم، فانتسبوا إليها من غير بطاقة عضوية. الحالة تكررت في احدى كليات الجامعة اللبنانية عندما نشطت ثلاث طالبات مطلبياً وحقوقياً باسم الحركة من دون تنسيق معها.
لأجل هؤلاء، توافقت القيادة الحالية على تسليم الدفة إلى الشباب والشابات. خلال عامين، سيسلمون مواقع المسؤولية في المركز والفروع ويتقدمون إلى المواقع الأمامية. ماذا عن واكيم؟ «الجيل الذي تحمّل مسؤولية التأسيس والقيادة في المرحلة الماضية، سوف يبدأ بالعودة تدريجياً إلى الصفوف الخلفية». لماذا الآن؟ يؤكد أن الفكرة قديمة، لكن العائق كان التفرغ. يشير إلى أن لا أحد من المسجلين في لوائح الحركة الذين يزيدون عن الخمسمئة شخص، متفرغ ولا أحد منهم يقبض أجراً. جميعهم عمال وموظفون يكدحون ساعات طوال ثم ينشطون في الحركة بعد الدوام، من بينهم نائب رئيس الحركة إبراهيم الحلبي. وحده رئيس الحركة هو المتفرغ كما يجب أن يكون. وهو كذلك بقوة القانون، إذ لا يزال واكيم كسائر النواب السابقين يقبض مخصصات شهرية من المال العام. جزء منها يصرفه لاحتياجات الحركة. جاهز الرجل لأن يواصل دعمه المادي، لكنه لم يستمر في المسؤولية المباشرة. لم يضع القضية التي يحملها فوق أكتافه جانباً. مقتنع بأن سنواته التسع والستين تخوله لأن «ألقي محاضرة بموضوع أفهم فيه أو أظهر في مقابلة... لكن لا تخولني أن أتعاطى مع الجيل الطالع بأدواتي القديمة». يتمسك بقناعته أكثر عندما تصله تقارير الفروع، التي تتحدث عن أن أبرز نشطاء الحركة استقطبوا من خلال الفايسبوك.
ماذا سيفعل الشباب والشابات في البلد الميؤوس منه؟ مسيرة إنقاذية من الجذور. قبل أشهر، طرح واكيم مبادرة لإطلاق مسار إنقاذي وتأسيس في آن واحد. دعا إلى القيام بهيئة تأسيسية انتقالية للمؤتمر الوطني للإنقاذ وإعادة تأسيسه. مبادرته استندت إلى «إعادة بناء المؤسسات الدستورية وفق الإرادة الشعبية وبناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة والقانون والحريات وتقديم مصالح اللبنانيين وقضاياهم على ما عداها من مصالح فئوية ضيقة، سبيلاً لإعادة الثقة اليهم، وابعاد شبح الخوف والقلق واليأس عنهم». ليست تلك شعارات مستحيلة «بل قادرة على الجذب كما انجذب أولئك الشباب بسبب توافر مشروع لدى الحركة وصدقية لدى الحركيين».