احتفلت الكورة أمس بعودة أبنائها بعد غياب طويل من «آخر الدني» ليقترعوا ويحسموا معركة تكسير العظم بين المعارضة وقوى 14 آذار في دائرة الصفاء الأرثوذكسي، الذي كثيراً ما تميّزت بالوجود الكبير للقوة العلمانية فيها

أمل ديب
لم يكن أمس يوم تعطيل بالنسبة إلى أم خالد، التي استغلّت اليوم الانتخابي لـ«تسترزق»، إذ بسطت «صاجها» وبدأت تجهّز المناقيش على حائط مركز الاقتراع في قرية بتوراتيج في قضاء الكورة شمال لبنان. يقترب منها محمّد ابن الخامسة عشرة، ليرى كيف تصنع المناقيش، فهذا المشهد غريب بالنسبة إلى الشاب الذي يعيش في أوستراليا. يزور محمّد لبنان للمرّة الأولى، فقد قرّر والداه قضاء العطلة الصيفية في لبنان بدءاً من السابع من حزيران.
حال محمد كحال الكثيرين من أبناء مغتربي الكورة، أتوا إلى لبنان ليمارس أهاليهم حقّهم بانتخاب ممثليهم إلى الندوة البرلمانية. فالمعركة الانتخابية في الكورة استحقّت لقب «معركة المغتربين» بشهادة مراقبين عدّة. قد يخيل إلى من يجول في قرى الكورة أنه انتقل بالمكان إلى مدينة سياحية عالمية، فالناس هنا يتكلّمون الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، متباهين أمام السكان بأنهم أتوا من «آخر الدني» كي يصوّتوا. أتى نعمان عبد الله من الولايات المتّحدة الأميركية إلى كوسبا «على حسابي الخاص، ولأيام معدودة كي أصوّت للائحة 14 آذار»، وهو مصمّم على العودة في عطلته الصيفيّة «إذا ربحنا».
لا يخفى على الكوريين أن عدداً كبيراً من المغتربين أتى على حساب الأطراف السياسيين من 8 و 14 آذار على حدّ سواء، على الرغم من أن العديد منهم يزعمون بأنهم أتوا على حسابهم الخاص ليقترعوا. إذ سرت شائعات عن استقدام كلّ من النائب فريد مكاري والحزب السوري القومي الاجتماعي أعداداً من مناصريهم من دول الاغتراب. وسجّلت في أميون عودة النسبة الأكبر من المغتربين الآتين من أميركا وأوستراليا وكندا، ولا سيّما الذين يزورون لبنان للمرّة الأولى منذ أربعين عاماً. وقد وصل الأمر ببعض المغتربين إلى القبول بالمجيء ليوم واحد فقط ليسقطوا أصواتهم في صندوق الاقتراع.
وفي حديث لـ«الأخبار»، صرّح أحد القادمين أنه قرر الحضور إلى لبنان قبل يوم واحدٍ فقط بعدما كان «يتكبّر» على العروض التي كانت تأتيه من الطرفين، إذ رفض دفع تذكرة السفر سلفاً على أن يعاد دفعها إليه عند وصوله إلى لبنان، وظلّ يرفض حتى وصل الأمر بالمندوبين إلى الاتصال به أكثر من ثلاثين مرّة في اليوم ما أدّى إلى إرسال ثلاث تذاكر سفر له كي يختار ما يناسبه منها، لكنّه نفى أن يكون قد تلقّى مبلغاً مالياً «بدل تعطيل أيام العمل» كما كان يشاع.
وقد كان لافتاً إقبال النساء على الاقتراع منذ الصباح الباكر، فقد أتين ليدلين بأصواتهن قبل التوجّه إلى الكنيسة للمشاركة في القدّاس الإلهي «لنضوّي شمعة لمرشّحنا» كما تقول ميراي عبود، فيما فضّل البعض الحضور باكراً كي يتسنّى لهم قضاء النهار على شاطئ البحر. امتعضت زينة عطية من تباطؤ في عملية الاقتراع، فقد أتت للإدلاء بصوتها صباحاً «قبل ما تعجق» لتعود أدراجها، بعدما انتظرت أكثر من ساعة دون أن تتمكّن من التصويت، على أمل العودة بعد أن تتلقّى «Missed Call» من أحدهم.
وفي كفرعقا، فتح صالون دوري بابه من السابعة صباحاً أمام السيّدات اللواتي أتين ليصفّفن شعورهنّ. فأتت السيّدة جاكلين كي تهتمّ بشكلها الخارجي لتنتخب «بأناقة».
وفي جرود الكورة، توجّه الناخبون الشيعة في بلدة بنهران إلى قلم الاقتراع منذ الصباح في غياب تامّ لمندوبين من فريق 14 آذار، وكما قال مسؤول في الماكينة الانتخابية التابعة للمعارضة «لشو يضيّعوا مجهود عالفاضي؟».
الأجواء الأمنية كانت هادئة، عدا الإشكال الصباحي الذي حصل في أنفه بين مناصرين للقوات اللبنانية وآخرين لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، على خلفية تسريبات عن اقتراع أنصار مكاري له وحده، إلّا أن الجيش تدخّل سريعاً، وأعاد الهدوء إلى البلدة. أما حين تستغرب رؤية أولاد العم المتخاصمين سياسياً يتوجّهون معاً إلى أقلام الاقتراع، فيأتيك الجواب منهم «ما بيهمّ مين رح يربح، الليلة رح نسكّر سوا».