«ما خصنا يا خيي!» يصيح البائع بعصبية في اللحظة التي طلبت منه شراء «علبة دخان!»! التبس علّي الموقف. كنا وحدنا في دكانه ولم افهم ما الذي يعنيه. ولكن سرعان ما اتضحت الصورة، كان الرجل يتابع على الشاشة أخبار المعارك في صيدا بين الجيش اللبناني وانصار احمد الأسير التي وصلت إلى محيط مخيم عين الحلوة؛ موجهاً كلامه إلى المذيعة التي كانت تقول «الاشتباكات اندلعت في تعمير عين الحلوة»، كان يكفي في ذلك اليوم ان تتجول مساء بين زوايب المخيم حتى تسمع صوت المذيع في نشرة الأخبار يخرج من كل بيت.
فالجميع تسمر امام الشاشة الصغيرة لمتابعة اخبار المعارك في منطقة «عبرا» القريبة، يسكنهم القلق المتزايد مع تكرار ذكر اسم مخيمهم «عين الحلوة» والجماعات الاسلامية «فتح الاسلام» و«جند الشام»، فيشعر معظمهم، بانهم مدفوعون بشدة للتورط من جديد في سيناريو مشابه لما حصل لمخيم نهر البارد، الذي لم تشف جراحه حتى الآن. لكن مخيم عين الحلوة استطاع النجاة من «الورطة» الأمنية السياسية التي تعرض لها، ولم تستدرجه نيران الفتنة اللبنانية بعد ان تحول بأكمله إلى غرفة عمليات مركزية لمختلف الفصائل الفلسطينية والقوى الاسلامية فيه كي لا تتحول المخيمات إلى طرف في النزاعات الداخلية اللبنانية. وبعد نجاحها في تلافي الكارثة، تنفست جميع المخيمات الصعداء.
أصبح من الطبيعي مع كل حدث أمني يحدث في لبنان أن يندفع الكثير من الفلسطينيين لفتح شاشاتهم على القنوات الاخبارية وخاصة فضائية «الجديد» ليس لمتابعة أخبارها وحسب، بل أيضا لمراقبتها! هكذا، يشعر معظم من التقيناهم، بأن القنوات اللبنانية وخاصة هذه القناة، تسعى على الدوام إلى زج «الفلسطيني» في كل إشكال أمني يحصل في البلاد، ويؤكد البعض ان لها تاريخا في هذا الملف «من خلال تعاطيها اللامسؤول عند قيامها بتغطية الأحداث»، كما قال لنا بعضهم.
لا زال حتى اليوم حاضرا في ذاكرتهم ذلك الخبر الذي بثته على لسان مراسلها (رامز القاضي) عندما كان يغطي المعركة التي دارت بين اطراف لبنانية في منطقة «الطريق الجديدة» اواخر العام الماضي قائلا «ان قوات مسلحة خرجت من مخيم شاتيلا لتشارك في المعركة»، دون ان يكلف نفسه عناء التأكد من صدق المصدر الذي اعتمد عليه، بتوخي مصدر آخر للخبر .. ويربط سعيد بين هذا الخبر العاجل المزيف وبين مقتل شابين فلسطينيين من آل قويدر، خرجا اثناء تلك الاحداث من المخيم على دراجتهما فاستهدفهما الجيش وقتلا بقرب منطقة الكولا. ومع اننا قلنا له ان الجيش لم يكن يستطيع معرفة هوية الشابين على الدراجة وانهما فلسطينيان، الا انه من الواضح ان رسوخ هذه الفكرة عند الفلسطينيين تجعله يفكر بثقة ان الامر كان كذلك. يتابع سعيد حديثه وهو ينقّل نظره تارة إليّ وتارة إلى التلفاز يترقب الاخبار العاجلة عن معركة صيدا؛ مؤكداً ان قناة الجديد تحرص على اظهار الفلسطينيين وكأنهم جزء من اي فلتان أمني يشهده البلد وخاصة في الفترة الأخيرة «لما انضربت الضاحية بالصاروخين، قالوا باول خبر انو للفلسطينية علاقة بالقصة!»! وأيضاً عندما تم اكتشاف الصواريخ المعدة لضرب مقر الرئاسة ووزارة الدفاع سارعت «الجديد» إلى بث خبر اعتقال فلسطينيين بالقرب من المنطقة «ليربطونا كمان بالعملية الارهابية التانية» ــ علماً ان الوكالة الوطنية للاعلام قالت بانه تم اعتقال ضابط سوري مع جنديين من المعارضة كانوا حسب الوكالة منفذي هذه العملية، ويضيف سعيد مستغرباً «ليش ما بتحكي عنا الشي الايجابي اللي بنعملوا؟ نحنا شاركنا الجيش اللبناني بالتصدي للمجموعات المسلحة بتعمير عين الحلوة وكنا من اوائل الناس الذين نادوا بالحفاظ على امن البلد وسلامة اهله» ويضيف بمرارة متسائلا «ولا حاجة تشوه صورتنا كفلسطينية وبس! لمصلحة من تعمل هذه الفضائية على تشويه صورتنا واتهامنا الدائم بلا أدلة؟».
يرى الكثير من الفلسطينيين ان هنالك «مؤامرة» تستهدف امنهم وأمن مخيماتهم في لبنان وتحاول جرهم إلى التورط في التجاذبات الداخلية التي بدأت اجواؤها تتشابه واجواء الحرب الاهلية في العام 1975. وبالرغم من التأكيدات الفلسطينية المستمرة بالتزامهم مبدأ «النأي بالنفس» وحرصهم الدائم على أمن لبنان واستقراره، الذي هو مصلحة مشتركة لدى الطرفين، لكن وسائل الاعلام التي لا تتوخى الدقة في اخبارها تساهم بشكل فعال في زيادة الشحن والتوتر الأمني بين الفلسطينيين وبين مكونات المجتمع اللبناني.
بانزعاج واضح يقول الحاج ابو محمد: «قناة الجديد بدها تعمل سبق صحافي على حسابنا.. سبق صحافي رخيص، هادا اختصاصها، فهي تضخم الأحداث وما بتتأكد من المعلومات التي تنقلها عنا، وما بتراعي حساسية الوضع اللي نحن فيه». ويضيف «كلام المسؤولين لدينا واضح: لن نكون ممرا أو مقرا لأية جهة تستهدف امن لبنان»، معلقاً على الأخبار التي نقلتها القناة باحتمال ان يكون «الأسير» موجودا في مخيم عين الحلوة باعتبارها «اشاعة» بهدف التوريط، موجهاً كلامه لقناة الجديد وكل الأطراف التي «تحاول صب الزيت على نار الفتنة، يا عمي افهموها.. نحنا ما خصنا!».
بالعودة إلى نظرية «ابحث عن الفلسطيني!» في التغطية الاخبارية التي تمارسها بعض القنوات الفضائية راجت منذ فترة قريبة صورة تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بابناء المخيمات الفلسطينية تعرض خبراً عاجلاً يقدمه المذيع في نشرة الأخبار يقول: اختفاء كوكب من المجموعة الشمسية والأدلة تشير إلى تورط اطراف فلسطينية في هذه العملية!. متهكمين من خلالها بأن هذا وضعهم مع وسائل الاعلام المصابة بفوبيا «الفلسطينيين». حسن، هذه هي وجهة نظر اهل المخيمات، فما رد القناة عليها. اتصلنا على مدى اسبوعين بالمسؤولين الذين لم يصادف مرة انهم في مكاتبهم. وحين تركنا رسائل لدى مساعديهم مع رقم هاتفنا، لم نحظ «بشرف» التحدث الى مديرة الاخبار او نائبتها ابنة صاحب المحطة. فما كان منا إلا ان ارسلنا لهم اسئلتنا بالبريد الالكتروني.. وحتى الساعة.. لا جواب.
بالطبع يقال ان السكوت علامة الرضى. فهل هو رضى عن سياسة المحطة؟ عن مضمون التقرير؟ ام استعلاء عن الإجابة؟ ليس مهما، المهم ان فرصة للحوار مع الفلسطينيين فاتت القناة.



ادانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ــ منطقة بيروت، في بيان صادر عنها بتاريخ 26/5/2013 الخبر الكاذب الذي بثته قناة الجديد بأن مصدر الصاروخين اللذين سقطا في ضاحية بيروت المخيمات الفلسطينية، والذي رأته يصب في خانة زج المخيمات في اتون التجاذبات الداخلية وطريق الفتنة البغيضة، وطالب وسائل الاعلام كافة بتوخي الدقة والحذر في نقل الأخبار والتأكد منها قبل نشرها، وفي ذات السياق استنكرت حملة «لا للتحريض» وهي حملة إعلامية «لمكافحة التحريض الإعلامي ضدّ الفلسطينيين في لبنان» مسارعة قناة الجديد لاتهام الفلسطينيين بالتورط عند اكتشاف صواريخ بلونة وطالبتها بسحب الاتهام او تقديم ادلة موضوعية وقانونية تثبت صحة اخبارها.